منذ أيام قلائل بدأ القمر الاصطناعي المصري الجديد «إيجيبت سات-2» إرسال صور فضائيّة عالية الدقّة إلى قارة أستراليا. وانطلق «إيجيبت سات-2» في السادس عشر من نيسان (أبريل) الماضي من قاعدة «مركز بايكونور الفضائي» في وسط كازاخستان، وهو مركز دولي تشارك فيه روسيا. وحمل صاروخ روسي القمر المصري الذي يبلغ وزنه قرابة طن إلى الفضاء، مع ملاحظة أن «إيجيبت سات-2» صُنع في مؤسسة الصواريخ والأقمار الفضائيّة الروسية «إنيرجيا». وشاركت في صناعته مجموعة من الباحثين والمهندسين الشباب المصريين، بكلفة تجاوزت بليون جنيه مصري. وتسمح إمكاناته بالتقاط الصور حتى مسافة متر واحد فوق سطح الأرض، بمعنى أن تلك الصور تساوي ما تلتقطه كاميرا موضوعه على ارتفاع متر عن الأرض، وهو أقل من طول الشخص العادي بكثير. ويقدر عمر القمر بعشر سنوات أو أكثر قليلاً. خطوة نحو مستقبل فضائي منذ أن استقر في مداره، يعمل القمر «إيجيبت سات-2» بواسطة منظومة للتحكّم والمراقبة واستقبال صور الفضاء ومعالجتها. ومن المخطّط له أن يتحوّل مؤسسة علمية تحمل إسم «إيجيبت سات»، بمعنى أنه يشكّل خطوة أولى نحو إنشاء وكالة فضاء مصريّة، على غرار ما فعلته معظم الدول المتقدّمة المنخرطة في مغامرة استكشاف الكون. وأشاد خبراء ب»إيجيبت سات-2» مشيرين إلى أنه يعمل بدقة غير متوافرة إلا في مجموعة صغيرة من الدول، ويساعد مصر في إدارة ثرواتها الطبيعية وحماية حدودها وتطوير بحوثها في هذا المجال. وخلال زيارته السريعة للقاهرة أخيراً، التقت «الحياة» المهندس حسين الشافعي، مستشار «وكالة الفضاء الروسيّة» الذي تابع عملية تصنيع القمر وإطلاقة خطوة بخطوة، حتى استقر في مداره. وأوضح الشافعي أن «إيجيبت سات- 2» استقر في مداره النهائي في 23 تموز (يوليو) الماضي، ثم نقل مجموعة من الصور الفضائيّة الدقيقة عن أستراليا، ما أثبت كفاءة القمر وقوته وقدرته على الرصد. وأشار الشافعي إلى أن اختيار أستراليا لتكون بداية عمل «إيجيبت سات-2» كان بهدف توضيح الإمكانات التكنولوجية العالية للقمر المصري. وأضاف: «تشهد مصر الآن إعادة هيكلة كاملة لمختلف مؤسساتها، ما يحتاج إلى مصادر معلومات دقيقة، خصوصاً عن المناطق الحدودية. ويتمتع «إيجيبت سات-2» بقدرات وإلكترونية وبصرية تجعله قادراً على تصوير نشاطات واسعة التنوّع والدقّة، حتى لو كان زراعة نبتة صغيرة. من الممكن أن يكون في ذلك ردع لكل من يفكر في البناء على أراض زراعيّة، أو الاستيلاء على أراضي الدولة، أو زرع البانغو والمخدرات، أو القيام بأعمال تضرّ بالتنمية. وُضِعَت خطّة واضحة لوضع عمل ذلك القمر في خدمة أغراض التنمية في مصر، بما فيها حصر الزراعات والأراضي والتعدين ومصادر المياه وغيرها، لنلاحظ أن كل صورة يرسلها «إيجيبت سات-2» تغطي 140 كيلومتراً مربّعاً، ما يساوي مربّعاً طول كل ضلع فيه 12 كيلومتراً»، يقول الشافعي. وكالة عربيّة للفضاء اغتنم الشافعي فرصة زيارته مصر، كي يدعو إلى إنشاء وكالة فضاء مصرية وأخرى عربيّة، معرباً عن قناعته بأن الأوان حان لدخول مصر عصر الفضاء. وقال: «دعونا إلى جعل 16 نيسان يوماً للفضاء المصري، وأمام رئيس الوزراء المصري الآن مشروع لإنشاء هذه الوكالة، إضافة إلى مشروع قانون عن إنشائها. لا يكفي إطلاق قمر اصطناعي، بل يجب إطلاق عملية متكاملة. يساهم إنشاء وكالة للفضاء في جمع الجهود المشرذمة والخبرات المتفرقة في الجامعات المصرية. وتستطيع وكالة الفضاء أن تصبح مركزاً علمياً تمتلك مصر عبره تكنولوجيا الفضاء، وتعود إلى دورها الرائد عربياً وإفريقياً وإقليمياً وعالمياً. وعلى الصعيد العربي، هناك «الاتّحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك» التابع لجامعة الدول العربيّة. وتضم صفوف الاتّحاد كوكبة من خبراء العرب وعلمائهم، كالدكتور مجيد نعمان والدكتور مسلم شلتوت. ولا بد من أن يبدأ العرب في التفكير الجدي في دخول عصر الفضاء بقوة وإنشاء وكالة فضاء عربيّة». وتحدّث أيضاً عن وقائع التعاون العلمي المصري- الروسي، مشيراً إلى أن روسيا قدّمت أخيراً ستين منحة لدارسي الماجستير والدكتوراه، ووصل منهم خمسة حتى الآن. وهناك أيضاً تعاون علمي مع وزارة الكهرباء وهيئة الطاقة النووية لتأهيل الجانب المصري في تقويم المحطات النووية. وكشف الشافعي أنه يفكر في إطلاق مبادرة لتنظيم مؤتمر للشراكة العلمية والثقافية المصرية الروسية، انطلاقاً من قناعته بأن مصر عبر التاريخ ظلت منفتحة على ثقافات العالم وعلومه. خصّ الشافعي «الحياة» بخبر عن التحضير حالياً لانعقاد مؤتمر دولي عن علوم الفضاء يعنقد في القاهرة أوائل 2015. ولاحظ أن برامج «وكالة الفضاء الروسية» تتضمّن السعي لاستكمال عملها في «المحطة الفضائيّة الدوليّة»، على رغم بعض التهديدات الأميركيّة. وأضاف: «الموقف الروسي قوي لأن «المحطة الفضائيّة الدوليّة» انطلقت من قاعدة روسيّة، كما تنطلق كثير من الكبسولات المتّصلة بأعمال المحطة من قواعد روسيّة. وتسعى روسيا إلى استكمال برنامجها الفضائي الذي يشمل بحوثاً عن المريخ ودراسات لسطح القمر». وأشار الشافعي إلى اعتزام روسيا اطلاق مجموعة كبيرة من الأقمار الاصطناعيّة، وكثير منها ربما يخصّص لأغراض عسكريّة، ملاحظاً أن روسيا تنفّذ أيضاً خطة لحماية أقمارها الفضائيّة.