أثناء زيارتي الكويت فوجئت بقصة سمعتها من صديقتي، التي ذهب زوجها الى الصيدلية وطلب دواء لمرض يشك أنه سبب للعارض الذي يتردد عليه، وبدلاً من أن ترشده خبيرة العلاج والدواء لضرورة الفحص والتأكد قامت بإعطائه الدواء، بل وصفت له جرعة مبالغاً فيها كادت أن تودي بحياته لولا ستر الله، صديقتي وزوجها يعيشان الصدمة التي شغلتهما عن تقديم بلاغ ضد الصيدلية كي يحميا الآخرين والمجتمع، وستتمتع الصيدلية بحرية وصف الأدوية مضافاً للمحافظة على كسبها التجاري المتزايد. محال العلاج وصرف الأدوية تحولت دكاكين تجارية وسط بيئة قانونية ضعيفة وأجهزة رقابية إما غائبة أو فاسدة، وليس هناك أبشع من أن ترى في عينَي طبيبك الذي تتعلق به آمالك بالشفاء - بعد الله - وهو يحسب أرباحه في كل قائمة فحص أو دواء لا تحتاجه، لكنها النسبة المنتظرة التي لم تكن ضمن «قسَم أبقراط» أبي الطب الذي جعل النزاهة والأمانة هما الميثاق الأعظم. المصيبة لا تنتهي عند وقوع المصيبة وحدها، بل في وزنها في النظام القضائي والعقابي، فالخطأ الطبي المتسبب بنهاية حياة إنسان في ميزان القضاء الشرعي هو «دفع الدية»، ولو كان الضحية رجلاً فسيحصل أهله على تعويض 300 ألف ريال، أي أقل من 100 ألف دولار، ولو كان امرأة فنصف الدية (150 ألفاً) أي أقل من 50 ألف دولار - وهذا ليس محل نقاشنا اليوم على الأقل -. في إحدى حلقات الأخطاء الطبية عرض مستشفى شهير بجدة، تسبب في مقتل شاب طيار، تعويضاً قدره مليون ريال على والدته، لكنها أصرَّت على اللجوء للقضاء فحكم لها بالدية، أي ربع التعويض المقدم من المستشفى الخاص. اليوم نحن أمام خطأ طبي فادح من مستشفى حكومي في جازان نقل بالخطأ للطفلة ريهام دماً ملوثاً بالأيدز، وقبلها أخطأ بقبول دم من متبرع مصاب بالأيدز فوصل للطفلة ريهام، فقد لا تموت لكنها ستعيش حياة تحت الخطر والألم، فما حكمها في القضاء الشرعي؟ نحن اليوم في حاجة إلى قانون عقوبات مدنية للأخطاء الطبية كما في قوانين المنظمات الدولية، التي تنظر إلى الخطأ الطبي كجريمة تكف يد صاحبها عن العمل وتجرده من مهنته. لكن، للأسف نحن لا ننظر إلى هذه الأخطاء إلا على أنها فضائح، يسترها تسفير الطبيب إلى بلاده من دون محاكمة ومن دون وضع اسمه في قائمة العار، فيخرج من الباب ليعود بعد أعوام من النافذة. هذا لا يحدث عادة عند الغرب الكافر الفاجر، فشركات الدواء مثلاً ترفق مع كل دواء - يخرج من مصانعهم ولله الحمد والمنة - قائمة طويلة من التحذيرات لو قرأتها كلها لكففت عن أخذه، وهي لا تفعل هذا من أجل سواد عينيك، بل كي تخلي مسؤوليتها فلا يلاحقها محامٍ شاطر يسلبها الملايين، مثلما حدث مع الطفلة الأميركية سامانثا التي أعطاها والداها مسكّن «إيبوبروفين» لخفض الحمى، فأصيبت بأعراض تحسسية تسببت في تلف دماغها وإصابتها بالعمى. فرفع والدها دعوى، وزعم محاميه أن الشركة المذكورة فشلت في تحذير المستهلكين بأن الدواء يمكن أن يسبب انتكاسات مهددة للحياة. المحاكمة لم تستغرق سوى خمسة أسابيع - وليست كما في قصة قتل الطفلة لمى على يد والدها التي مضت عليها 6 أشهر - ثم حكمت المحكمة بتعويض قدره 109 ملايين دولار. أما في عام 2011 فقد عوضت فتاة من بنسلفانيا بمبلغ عشرة ملايين دولار بعد انتكاسة وخيمة من دواء الأطفال نفسه، تسبب في ضياع 84 في المئة من جلدها، وأصيبت أيضاً بتلف في الدماغ والعمى. هذه الخسائر الفادحة تجعل المستشفيات ترفع درجة الحذر، وتحفز شركات الأدوية على توفير دواء آمن، خصوصاً للأطفال، بينما نحن نتسلى بقص هذه القصص كي نطالب ببيئة طبية وقضائية مجنزرة بيد من حديد لا بأذن من عجين وطين. [email protected]