استغربت أوساط نفطية عالمية خفض السعودية إنتاجها النفطي قبل ثلاثة أشهر إلى تسعة ملايين برميل يومياً من أكثر من 10 ملايين في منتصف العام الماضي حين كانت معدلات الطلب العالمي على النفط تسجل مستويات عالية. واعتقد البعض بأن السبب الوحيد وراء خفض الإنتاج السعودي كان العمل على رفع الأسعار. لكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن المملكة، باعتبارها أكبر دولة مصدرة للنفط، هي التي تطالب دائماً باستقرار أسعار النفط، ولا تريد أن تضر باقتصادات البلدان المستهلكة، وأنها محافظة دائماً على استقرار الأسعار، وترغب في أن تكون الأسواق وعوامل العرض والطلب المؤشر والمقياس الوحيد لتحديد الأسعار. إذاً لماذا هذا الخفض الذي جاء في حدود مليون برميل ولماذا في هذا الوقت تحديداً؟ لا بد أن السبب هو التغيير في نمط الاستهلاك العالمي، فالفترة الحالية لم تعد الفترة الحرجة على صعيد الطلب، فالفترة الحرجة تحركت إلى الربيع والصيف حين يبلغ الطلب العالمي الحقيقي على النفط ذروته وقد يزيد على معدل 90 مليون برميل يومياً. وهذا تغيير شامل مقارنة بما كان يحصل قبل 10 سنوات حين كانت الولاياتالمتحدة وكندا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وراء زيادة الطلب العالمي. أما الآن فالصين والهند وروسيا والبرازيل والسعودية ذاتها (يصل الطلب المحلي إلى نحو خمسة ملايين برميل يومياً من النفط المكافئ في موسم الذروة) هي المحرك للموسم الحقيقي لأعلى معدل للطلب على النفط. يضاف إلى ذلك أن الولاياتالمتحدة بدأت فعلاً بتقليل اعتمادها على الاستيراد الخارجي وزيادة اعتمادها على مصادرها من الغاز والنفط الصخريين. وهذا الاتجاه في تزايد، خصوصاً أن ولاية نورث داكوتا وحدها تنتج حالياً أكثر من 750 ألف برميل يومياً من النفط الصخري، أي ما يعادل إنتاج قطر ويقترب من إنتاج إكوادور. والتغيير في نمط الاستهلاك ومعدله هو السبب الرئيس وراء خفض السعودية معدل الإنتاج، فالمملكة لا تريد أن تسبب أي نقص في المعروض النفطي لأن فترة الذروة تأخرت أشهراً ما جعل الربعين الرابع والأول غير محتاجين إلى كميات إضافية فالموجودات من المخزون التجاري قادرة على أن تسد أي طلب على النفط. تغيرت الدول التي تقرر مصير الطلب المتزايد على النفط والموسم النفط الجديد. ولم تعد أوروبا وأميركا الشمالية تمثلان الميزان والمقياس في الطلب على النفط بل الدول الناشئة في آسيا وأميركا الجنوبية هي التي بدأت تمثل التوازن النفطي بل والاقتصادي حول العالم. وفيما لا شك في أن الأسواق النفطية تغيرت عنها قبل 10 سنوات، مؤكد أيضاً أنها ستتغير بعد خمس سنوات، فقد نشهد حضوراً آسيوياً أكبر من إندونيسيا وفيتنام، بالإضافة إلى الدول النفطية الخليجية، ناهيك عن إيران والعراق المتوقع أن يفوق استهلاكهما المحلي ستة ملايين برميل يومياً، وهو معدل كبير وسيؤثر في الإمدادات الخارجية. قد يتساءل البعض هل ستملك منظمة "أوبك" طاقة إنتاجية فائضة في السنوات المقبلة، خصوصاً في فترات الذروة، لسد طلبات الأسواق الخارجية. كانت السنة الماضية سنة مالية مثمرة لدول "أوبك" التي حصدت أكثر من تريليون دولار وأنتجت أكثر من 30 مليون برميل يومياً. فهل ستكرر تجربة العام الماضي وتحصد دول المنظمة إيرادات مالية أكبر؟ مؤكد أن المنظمة تملك خبرات كثيرة في التعامل مع الأسواق النفطية وفي كل حالاتها، وها هي عرفت كيف تتعامل مع المتغيرات الجديدة بدءاً بالتغيير الجذري الذي طرأ على موسم الطلب العالمي على النفط، وها هي اكتسبت خبرة مضافة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت