عبّر السطان قابوس في جلسة مفتوحة في مخيمه الصحراوي وسط آلاف من المواطنين، عن سروره بكلمات أطلقها شاب عماني ونقلها عنه التلفزيون الرسمي، إذ قال: «الكرة في مضربكم». واعتبر السلطان ذلك شعوراً بالمسؤولية لدى جيل الشباب بعدما وفّرت لهم الحكومة مجموعة من الحوافز لدعم مشاريعهم الاقتصادية ودخولهم عالم الأعمال، في اختتام ندوة معنية بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغالبيتها تديرها شريحة من الشباب من الجنسين. معاناة هؤلاء كانت مع غياب الدعم الحكومي، خصوصاً من خلال التشريعات التي أوجدت خللاً استغله العمال الوافدون في السيطرة على مفاصل متعددة في الاقتصاد العماني وأهمها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي احتفظ المواطن فيها بالاسم التجاري فقط، لكنها عملياً تخضع للعامل الذي يديرها في الخفاء، أو ما سمّي بالتجارة المستترة. وفي مواجهة هذه الممارسات وجد الشاب العماني نفسه في مواجهة لوبي آسيوي متمدد في كل القطاعات، بدءاً من الإنتاج والتوزيع ومنافذ البيع، فتكبد كثيرون من هؤلاء خسائر كبيرة جعلتهم يسعون الى الوظيفة الحكومية القادرة وحدها على توفير «الاحترام» مع الاستقرار الوظيفي والنفسي. وعملت تلك الشركات على حصول شهادة البراءة في أنها نفذت النسبة المطلوبة في عملية (التعمين / التوطين) حتى مع بقاء الشاب في بيته يكتفي بريالات قليلة تأتي من دون عمل، لكنها تحرمه من اكتساب أية خبرة. وقدمت الحكومة العمانية حوافز لدفع الشباب نحو ريادة الأعمال، بما يمنحهم القدرة لتحقيق ذواتهم بمنأى عن أحلام الوظيفة الحكومية أو في القطاع الخاص، وأن تكون لديهم مشاريعهم المدعومة مادياً ومعنوياً وسط اندفاع كبير من الدولة نتيجة اهتمام خاص من السلطان قابوس شخصياً. ولا تثير الوظائف المستهدفة في القطاع الخاص حماسة الشباب، ففيما يتم استدعاء المئات يومياً لمقابلات شخصية من أجل الوظائف لا يحضر إلا العشرات، وقليل منهم يرضى بالوظيفة المعروضة، لاقتناعه أن الخيارات الأفضل قادمة، والحكومة ملزمة ضمن مشروعها التوظيفي (بعد الاحتجاجات الشبابية قبل عامين) البحث له عن وظيفة يقبلها. وجاء مشروع دفع الشباب لتبني مشاريعهم الشخصية ليحقق أكثر من هدف، بينها ما يخدم الاقتصاد الوطني والحد من عدد البلايين المحولة كل عام من ثروة البلاد من العملة الصعبة، ولإيجاد فرص عمل أخرى حينما يتبنى كل شاب أو مجموعة منهم أفكارهم القادرة على احتواء المزيد منهم وتحقيق عوائد جيدة كان يقطف ثمارها الوافد (غالباً من الهند وباكستان وبنغلاديش). وتسيطر العمالة الوافدة بشكل واسع على المحلات التجارية وقطاع المقاولات حيث لا يملك الشاب العماني إلا السجل التجاري والتصريح الرسمي بمزاولة المهنة بينما يتولى وافد إدارة كل مفاصل المؤسسة. ومن الحوافز التي قدمتها الدولة تأسيس صندوق رفد لدعم الشباب برأسمال يزيد عن مئتي مليون دولار تضاف إليه ملايين أخرى سنوياً، إضافة إلى فتح الفرصة أمام كل شاب ليتفرغ لمؤسسته الخاصة سنة كاملة مع راتبه المعتاد من الوظيفة الحكومية، ثم يقرر إن كان يستمر في مشروعه (وفق عوامل النجاح أو الإخفاق) أو العودة إلى وظيفته الرسمية التي لم يخسرها. وخلال السنوات الماضية فإن عدداً كبيراً من الشباب العماني أخذته روح المغامرة لاقتحام عالم الأعمال من خلال مشاريع تجارية لكن قليلين منهم صمدوا في السوق وحققوا نجاحات. والغالبية خرجت بخسائر كبيرة وإحساس الشاب بأنه سيجد الراحة والمال (مهما بدا قليلاً) من دون عناء إن هو ترك المشروع ليديره العامل الاجنبي. وتكثر الانتقادات لهذه الممارسات (التجارة المستترة) حيث تذهب الأرباح الدسمة للوافد بينما لا يحصل صاحب المشروع إلا على القليل بينما استفاد من دعم الدولة وتسهيلاتها. ووضعت الدولة «الكرة في ملعب الشباب» بمجموعة حوافز وسعي لتجفيف اللوبي الآسيوي الذي تكاثر في السلطنة ليبلغ عدد العمال الوافدين أضعاف القوى العاملة المحلية في البلاد التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين شخص، بينهم 1.3 مليون عامل وافد، وتبدو الإشارات واضحة بأن النسبة تخطت حدود الخطر، وأن الشباب العماني لن يجد وظيفة مستقبلاً إن استمر المؤشر البياني لحركة قدوم العمال الأجانب إلى عمان.