لا يبدو البرنامج التلفزيوني التاريخي «أوليفر ستون التاريخ غير المروي للولايات المتحدة» للمخرج السينمائي الأميركي المعروف أوليفر ستون الذي تعرضه قناة «شوتايم» الأميركية، غريباً عن انشغالات المخرج الجدليّ. فهو الوحيد في تاريخ السينما الأميركية الذي قدم سيرة ثلاثة رؤساء أميركيين في أفلام شهيرة (جي أف كينيدي، ريتشارد نيكسون وجورج بوش)، وصنع مجده السينمائي من أفلام قدمت حرب فيتنام («الفصيل»، «ولد في الرابع من تموز»)، في حين أخذه غضبه الإنساني مما يجري في بلده، والصورة غير المكتملة التي ينقلها الإعلام فيه عن صراعات العالم، بخاصة تلك التي تتعلق بعداوات أميركا المعاصرة، إلى دول «محظورة»، فقدم أفلاماً عن فلسطين وكوبا، ويُقال إنه يستعد مع ابنه لإخراج فيلم تسجيلي عن إيران. نبش المخرج في التاريخ الأميركي المعاصر، ومكاشفاته التي تقترب من المحاسبة لصانعي هذا التاريخ، أوجدت له كثيراً من الأعداء في الولاياتالمتحدة، حاولوا أن يصنفوه ضمن فئة سياسية معينة، كما حاولوا تلطيخ نقده السينمائي والإنساني والذي يقترب من الهجاء أحياناً، بالفئوية المحدودة النظر، على رغم أن المخرج أكد مراراً، أنه ينتمي إلى جيل أثّرت فيه الأفكار الليبرالية التحريرية التي كانت تميز أميركا لعقود طويلة، وأن معركته مع السلطات السياسية والاجتماعية هي لاستعادة بعض ملامح ذلك الجيل ودوره. بعيداً من الأسلوب الروائي المعروف عن أفلامه، يستعين أوليفر ستون بالمواد الأرشيفية فقط لبرنامجه التلفزيوني «أوليفر ستون التاريخ غير المروي للولايات المتحدة»، والذي أمتلك فيه المخرج الحرية التحريرية والفنية الكاملة. هو يَظهر في الدقائق الأولى لكل حلقة، ربما ليُذكر المشاهد، بأنه من سَيُعلق على كل هذه الأحداث التاريخية. ثم تختفي صورته ويبقى صوته، ليأخذ المشاهد في رحلة تاريخية طويلة. ربما لندرة المواد الأرشيفية الصورية لأميركا قبل الحرب العالمية الأولى، يختار البرنامج التلفزيوني أن يبدأ من عقد الثلاثينات من القرن العشرين. ولأن البرنامج موجه بالأساس للمشاهد الأميركي، يركز كثيراً في بحثه على صدى أحداث العالم في الولاياتالمتحدة، فيعرض مثلاً لقطات أرشيفية مؤثرة عن الاحتجاجات التي قام بها ملايين من الأميركيين ضد دخول بلدهم معترك الحرب الدائرة في أوروبا. قد تكون تلك الأفلام، الوثيقة الصورية الأولى لنشاط شعبي عام ضد الحروب في تاريخ الولاياتالمتحدة والعالم. لن تنفع الحملة تلك في إنقاذ البلد، لأسباب منها دور بريطانيا المهم والدسائس والحيل التي اتبعتها، لدفع أميركا إلى وجهة الحرب، وهذا ما سيخصص له البرنامج التاريخي حيزاً كبيراً، كما ستركز الحلقة الثانية منه، على الشأن الداخلي الأميركي، والدور الذي لعبه الرئيس فرانكلين روزفلت الذي رحل عن العالم قبل نهاية الحرب، ليخلفه هاري ترومان الذي سيشار إلى عهده، بأنه الرئيس الذي سمح باستخدام أول قنبلة ذرية، وهي الموضوع الذي ستركز عليه الحلقة الثالثة من البرنامج. يوحي عنوان البرنامج ومقدمة حلقته الأولى، بأن المشاهد في طريقه للتعرف إلى أسرار تاريخية لم تتكشف بعد، وبأن هناك نيات «مبيتة» كانت وراء إخفاء حقائق معينة عن أجيال من الأميركيين. لكن ما تناولته الحلقات الثلاث الأولى، مر مراراً في برامج تلفزيونية تاريخية، يُعرض كثير منها على قنوات متخصصة بالتاريخ. لم ينجح البرنامج في تقديم أي إضافة للبرامج التاريخية التلفزيونية، على صعيد الشكل أو التحرير. حتى حضور المخرج السينمائي المعروف لم يَنتشل البرنامج من عاديته، فالتعليق الصوتي لأوليفر ستون هو أقل جودة وتأثيراً مما اعتدنا أن نسمعه في البرامج التاريخية، بخاصة تلك التي تنتجها «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي).