الكل متفائل بنتائج الحوار الوطني في البحرين. سألت وزيراً حالياً وآخر سابقاً ومواطنين بحرينيين من الأصدقاء عن إنطباعهم الأولي، وهم قالوا أن المحاورين جميعاً تكلموا بإيجابية والى درجة أن ممثلي الحكومة والموالاة فوجئوا بارتفاع مستوى هذه الإيجابية. أرجو ألا يخيب ظن الأصدقاء، فبعد بدء المشاكل في 14/2/2011 رأيت ولي العهد الأمير سلمان بن حمد، وكان متفائلاً باتفاق قريب مع المعارضة، وشرح لي عدد الطلبات التي قررت الحكومة أن تلبيها، والإصلاحات التي ستُنفذ. غير أن ما حدث بعد ذلك أظهر أن غالبية في قيادة المعارضة ولاؤها لإيران، ولا تريد إصلاحات بل إنقلاباً على الحكم. ربما أدركت المعارضة، بعد سنتين لم تحقق فيهما شيئاً غير مزيد من المشاكل والمواجهات، أنها إذا أصرت على كل شيء فلن تحصل على شيء، ولكن إذا أخذت ما تستطيع، فهي قادرة على أن تعود في المستقبل للتفاوض على طلبات أخرى. وقد قلت دائماً وأقول اليوم أن للمعارضة طلبات محقة، وإعتراضي الأساسي هو على الأساليب التي اتبعت لتحقيقها وفشلت كما توقعت لها. الحوار في أوله ولا حاجة بي الى الدخول في تفاصيل باستثناء القول أن أطراف الحوار إتفقت على أن النقاش بينها حوار وليس مفاوضات، وأن الحكومة طرف في النقاش، وأن النتائج هي قرارات يرفعها وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة الى الملك. أهم ما في الحوار أنه يضم الأطراف السياسية الفاعلة، فهناك إئتلاف الجمعيات السياسية الموالية برئاسة أحمد جمعة، مع ممثلين عن الحكومة، وهناك الجمعيات السياسية المعارضة الخمس: الوفاق ووعد والمنبر التقدمي والإخاء والتجمع القومي. ولعل من حظ المحاورين أن يقاطع حسن المشيمع وجماعته «حق»، فهو المعارض الوحيد الذي أؤيد بقاءه في السجن، لأنه أهوج يمارس سياسة متطرفة تعمل لخراب البحرين. لم أرَ خلافات يصعب حلها في الإفتتاح والجلسة الثانية، فقد طلبت المعارضة الشيعية وجود خبراء دستوريين على طاولة الحوار لصوغ الإتفاقات، كما طلبت قبول مساعدة الأممالمتحدة كما عرضها أمينها العام بان كي مون. ولم تبدُ الموالاة متحمسة لذلك. أهم مما سبق أن الأطراف المعنية، السنّية الموالية والشيعية المعارضة، بدت وعندها رغبة حقيقية في حل الأزمة التي أحدثت شرخاً في صفوف شعب البحرين يجب إصلاحه وإعادة اللحمة الوطنية. الخلافات موجودة وسبقت بدء المشاكل قبل سنتين، وأوضح مثال عليها قانون الأحوال الشخصية فهناك شق شيعي وآخر سنّي، والجمعيات الشيعية تريده على مسارات ولاية الفقيه ما يعني إباحة زواج القاصرات. مع ذلك أستطيع القول أن المشاكل في البحرين على إمتداد السنتين الماضيتين أبرزت الخلافات، وغطت على إيجابيات مهمة، فالبحرين هي البلد الأقل موارد طبيعية بين دول مجلس التعاون الست، ومع ذلك فالحكم نجح في أن يقدم لمواطنيه خدمات مجانية من نوع التعليم بكل مراحله والرعاية الصحية والإسكان. وكنت كتبت بعد بدء المشاكل منتقداً الإدارة الاميركية وجماعات حقوق الإنسان التي خُدِعت بمزاعم المعارضة واعتقدت أنها فعلاً تريد إصلاحات وديموقراطية، فيما كانت قياداتها تسعى الى إنقلاب على الحكم. وما على المراقب سوى أن يسمع هتافات المعارضين في تظاهرات يوم الجمعة قبل يومين. أدين قتل أي متظاهر، أدين الشرطة ثم أدين متطرفين بلا ضمير يرسلون أولادهم المراهقين إلى التظاهرات ليُقتلوا وليتاجر عملاء إيران بدمائهم. أعتقد أن الإدارة الاميركية، التي يهمها كثيراً الإستقرار في البحرين لوجود أسطولها الخامس هناك، قررت أخيراً أن المعارضة تكذب، وأنها تسعى الى إنقلاب وإقامة نظام يتبع ولاية الفقيه كإيران فتراجعت عن تأييدها طلبات المعارضة. أقول مرة أخرى أن للمعارضة طلبات محقة، وقد سمعت ولي العهد وبعده الملك حمد بن عيسى يؤكدان أن الحكومة تعتزم ملاقاة المعارضة في منتصف الطريق. ورجائي بعد درس السنتين الماضيتين أن تكون المعارضة وعت الدرس، وأدركت الحكمة في القول: «إذا شئت أن تُطاع فسلْ المستطاع»، وأنها فعلاً تريد حلاً يرفع سوية عيش أنصارها وشعب البحرين كله. [email protected]