لم يظن ذلك الأب الغاني البسيط الذي عاش في جزيرة صقلية الإيطالية ولو لوهلة أن مكافحته للحظات القاسية التي عاشها مع أول أبنائه (الذكور)، وهو يتنقل به من مشفى إلى آخر، وينفق الغالي والنفيس، من أجل مشاهدة ابنه في حال صحية تسره، حتى بحث عن الانتقال بعائلته إلى مدينة بريشيا الصناعية، ليؤمن لهم حياة كريمة بعد أن أنفق جلّ أمواله على العمليات التي أجريت لصغيره، ستصنع اليوم من ابنه بالوتيلي نجماً لامعاً، غطى شعاعه الأرجاء، فعناء ذلك الغاني المناضل لم يذهب أدراج الرياح، ف «بالو» بات اليوم النجم الأول لمدينة ميلانو. في سنّ ال13 انتقل ماريو قبل أن يتحول إلى «سوبر» لمنزل فرانشسكو وسيلفيا بالوتيلي اللذين تبنياه، ومع مرور الوقت، زاد تعلقهما به، وزاد تعلقه بهما، حتى أضحيا الصورة الأقرب في نظره للأب والأم الحقيقيين، فبدأت أمام أعينهما خطوته الفعلية في عالم المستديرة حينما تدرب مع طلاب نادي برشلونة الإسباني في مدرسة «لاماسيا» 2006 ولعب ثلاث مباريات، سجل خلالها ثمانية أهداف، وأبدى النادي «الكاتالوني» رغبته في التوقيع معه، وكان قاب قوسين أو أدنى من التوقيع مع الأسمر الموهوب، لولا مغالاة وطمع وكيل أعماله. بعد ذلك عاد إلى إيطاليا، ليدخل ضمن صفوف ليميزاني الذي يقبع في دوري الC1 الإيطالي (الدرجة الرابعة)، وبعد عامين من الركض في صفوفه انتقل إلى أحد أهم المحطات في حياته، وهي إنتر ميلان على سبيل الإعارة، وحينها لم يكمل «بالو» عامه ال17. شارك للمرة الأولى مع الفريق الأول في 2007 لاعب احتياط، وبعدها زجّ به المدرب في مباراة فريقه أمام ريجينا التي كان له خلالها بصمتين، ليبدأ من لحظتها بزوغ نجم الفتى الإيطالي «الشرس». وفي عام 2008، أبرم «النيراتزوري» مع ماريو عقداً يمتد إلى ثلاثة أعوام بعد أن اقتنع رئيس النادي ماسيمو موراتي برؤية مدرب الفريق حينها مانشيني بضرورة توقيع عقد طويل الأمد مع «بالو» الذي يعد موهبة واعدة ستتفجر يوماً، كما كان يقول. وعندما أحرز غاني الأصل هدفاً في مباراة فريقه ضد أنورثوسيس فاماغوستا القبرصي أصبح أصغر لاعب يحرز هدفاً في تاريخ دوري أبطال أوروبا، وشارك مع زملائه في الفريق في كسب عدد من الاستحقاقات المهمة كان من أهمها دوري أبطال أوروبا وكأس إيطاليا عام والسيريا (A) في عام 2010 علاوة على تسجيله 20 هدفاً في 59 مباراة. وسبق أن رفض ماريو عرض منتخب غانا للمشاركة في مباراة أمام السنغال، وهو في سن ال17، وبرر ذلك بأنه لديه دماء إيطالية، ويتمنى أن يكون أول لاعب أسمر ضمن صفوف «الأزوري» وذكر أنه يحترم غانا كثيراً، ولكن نشأته في إيطاليا تحتم عليه الدفاع عن شعار منتخب باجيو ورفاقه. بعد ذلك التحق بالوتيلي بمدربه الإيطالي روبيرتو مانشيني إلى مانشستر سيتي برغبة من المدرب ذاته الذي راهن عليه عند صغره، وربما أن الفائدة العظمى عادت إلى إنتر ميلان، إذ رصد الفريق الإنكليزي مبلغاً قياسياً للاعب لم يتجاوز ال19 وقدره 40 مليون يورو، وأخيراً عاد «بالو» إلى مدينة ميلانو، وهو يتسلح بثقة الكبار، وينبئ بتفجير إمكانات ستبهر من يؤمن بقدراته ومن لا يؤمن بها، «سوبر ماريو» عاد مجدداً إلى ميلانو، ولكن هذه المرة من بوابة «الروسينيري» الواسعة، في ضاحية جوزيبي مياتزا، وقد أفصح قبل ذلك عن تشجيعه لميلان، ليلحق ذلك بنشر صورة له، وهو مرتدياً قميص عشيقه الأحمر المقلم بالأسود، حينما كان لاعباً في صفوف أنترميلان. بالوتيلي الذي اشتهر بتصريحاته النارية فجّر أقوى تصريح في العام الجديد بعد توقيعه مع ميلان في مقابل 20 مليون يورو وقال فيه: «أشعر وكأنني في حلم، تمنيت لو باستطاعتي سرقة رف من خزانة كؤوس ميلان ووضعه في خزانة السيتي الفارغة». غير اسم عائلته إلى بالوتيلي تيمناً به وجزء من رد الجميل للعائلة التي احتوته منذ صغره ورفض الانتماء إلى أبويه الحقيقيين، مبرراً ذلك بأنهم تخلوا عنه عند صغره وأرادوا عودته بعد أن أصبح نجماً ثرياً ووالده يرد: «ادعى ماريو أننا تخلينا عنه عند ولادته في المستشفى، وإننا كنا نضربه في صغره، كلاهما غير صحيح! فماريو هو أول ولد ذكر في العائلة ونحن كنا نحاول دائماً أن نوفر له حياة أفضل، ولطالما وددنا استرجاعه، لكنه لم يكن يقبل، وأعتقد بأن والديه بالتبني زرعا بعض الأفكار في رأسه». بالوتيلي طالما عانى من العبارات العنصرية التي وُجهت تجاهه سواء في الشوارع أو من الجماهير في الملاعب إذ صرح لمجلة «تايم الأميركية» قائلاً: «العنصرية غباء لا حدود له، وأعرف جيداً ما يشعر به المعتدى عليه، أنا عانيت كثيراً من تلك التصرفات الحمقاء، فالأمر بدأ معي حينما كنت ألعب في إنتر ميلان بإيطاليا، ووجدت ذلك بدرجة أقل في مانشستر سيتي، العنصريون يتمتعون بغباء كبير، هذا أقل ما يمكن أن يقال». وعبّر عن سعادته برئاسة أوباما للولايات المتحدة الأميركية قائلاً: «أشعر بالفخر عندما أرى رجلاً أسمر مثل أوباما يحكم أقوى دولة في العالم». وفي أعقاب انضمام «الأسمر» لصفوف المنتخب الإيطالي في بطولة أمم أوروبا عام 2012 وجّه تهديداً شديد اللهجة في حوار أجراه مع صحيفة «غارديان» البريطانية للعنصريين قائلاً: «سوف أقتل أي عنصري يقذفني بقشر الموز في الشارع أو الملعب، وأدخل السجن بعدها، فأنا لا أتقبل أي شكل من أشكال العنصرية».