هناك بطانة من فضة في السحب الداكنة حول التشاؤم بمسار الابتكار، إذ تستلزم بعض التقنيات المبتكرة وقتاً كي تعطي ثمارها. مرّ قرن بين ابتكار محرّك البخار وبين ثورة محرّكات البخار. يحتاج الأمر تدقيقاً في مدى توغّل الكومبيوتر والإنترنت في ثنايا الاقتصاد الكليّ وآلياته ومساراته، قبل الحديث عن آثارهما. ربما لم تكن «فورة» أواخر تسعينات القرن الماضي إلا تعبيراً عن ظهور صناعة جديدة قوامها الكومبيوتر والرقاقات والألياف الضوئية والأقراص اللدنة والمُدمجة وغيرها. ربما تحتاج التقنية الرقمية وقتاً كي تصنع بعض الفارق في الاقتصاد والتنمية، ووقتاً آخر لتراكم هذا الأثر، لكنه يصبح بعدها عنصراً في نمو يقفز بسرعة. وتصلح «المركبات المؤتمتة» Automated Vehicles مثالاً. ففي 2004، رصدت «وكالة البحوث الدفاعية المتقدّمة» (تُشتهر باسمها المختصر «داربا») مليون دولار للفريق الذي يفوز في سباق لسيّارات تدار لاسلكيّاً مسافته 240 كيلومتراً. وفشلت المركبات جميعها. في 2012، أعلن محرك البحث «غوغل» أن أسطوله من هذه المركبات قطع قرابة نصف مليون كيلومتر، من دون حوادث. الخلاصة؟ ثورة سيارات- الروبوت كانت مستحيلة في 2004، لكنها ربما ملأت الطرقات الأميركية في العقد القادم. ألعاب لإنجاز الأعمال أدّت زيادة قوة مُعالجة البيانات في الكومبيوتر إلى بداية فهمه للغة العادية، ما يفتح فصلاً جديداً في استخداماته في الحياة اليومية. صارت ألعاب الكومبيوتر تدار بحركات اللاعبين، ولربما استُخدِمَت قريباً في إنجاز الأعمال. شرعت الآلات القادرة على تصنيع الأشياء بأسلوب الطباعة المُجسّمة، في صنع مجموعة متنوّعة من الأشياء، والأرجح أن تُستعمل سريعاً في صنع أنسجة للجسم ومواد عضوية اخرى. باختصار، يحبّذ كثير من الخبراء الحديث عن مسار متعرّج للتقنيات الرقمية للمعلوماتية والاتصالات، وليس التفكير بأنها إما تمثّل ثورة متصاعدة أو فشلاً ذريعاً. ويرى الخبير الأميركي شاد سيفرسون، من جامعة شيكاغو، أن الاقتصاد الكلي والتنمية، ارتقيا بأثر من الكهرباء، لكن عبر صعود وهبوط. إذ تباطأ الاقتصاد بين أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20، عندما كان ابتكار الأدوات الكهربائية في ذروته، ثم صعد. على هذا النحو، من المستطاع النظر إلى الهمود بين أوائل سبعينات القرن الماضي ومنتصف تسعيناته، باعتباره الفترة التي استنفدت فيها ابتكارات الحقبة السابقة، فيما لم تُمثّل تقنيات الحاضر والمستقبل (المعلوماتية، الهندسة الوراثية، الاتصالات المتطوّرة)، سوى جزء صغير من المشهد الكلي، فلم تستطع النهوض به لوحدها. واستطراداً، يشير بعض الخبراء الى أن الفترة عينها شهدت انتقال الصناعة الى الطاقة النظيفة، ما أضاف ثقلاً على الدول الصناعية المتقدّمة (نفتح قوساً لنطرح سؤالاً عن حال الانتقال عينه وأثره على البلدان النامية، وهو من الأمور الشائكة في نقاشات المناخ والطاقة). ومع التقدّم المتواصل في تقنيات الطاقة، بمعنى خفض استهلاكها وزيادة فعاليتها، ينفتح الباب أمام دورة صعود مقبلة.