«يتعكّز» صنّاع السينما منذ سنوات، على أعمال أدبية وروائية وسير ذاتية وأحداث تاريخية لتقديمها في قالب سينمائي. ومن الطبيعي القول إن لا أحد يجد ضرراً في ذلك، خصوصاً أن هذه الأعمال من شأنها أن تُعرِّف المشاهد على تنوّع حقيقي في الصورة والزمن، وتعطيه لمحة عما حصل سابقاً، أو عما كان مستتراً ولا يستطيع الاطّلاع عليه. ولتنفيذ ذلك يُستعان بمخرجين فذين يقدمون أفكاراً إبداعية، وتصوّرات جديدة وحبكات درامية تكون شيّقة في أحيان كثيرة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعاني السينما شحاً في مصادرها لتستعين بالأدب والرواية والتاريخ؟ يبدو واضحاً بالنسبة إلى البعض أن أفكار كتّاب السيناريو لم تعد تجمع الملايين. وبما أننا في عصر استهلاكي، نعرف أن صنّاع السينما لا يتوقفون عن البحث عن أعمال تحقق أرباحاً طائلة، ونسبة مشاهدة عالية وهم غالباً ما يجدون ضالتهم في روايات كانت حققت أرقام مبيعات مدهشة حين صدرت. ومن هذه الروايات التي نقلت إلى السينما يمكن أن نذكّر على سبيل المثال بأعمال مثل، «العطر» (باتريك سوسكيند)، و«الحب في زمن الكوليرا» (غابرييل غارسيا ماركيز)، و«العمى» (خوسيه ساراماغو)، و«ذهب مع الريح» (مارغريت ميتشل)، و«هاري بوتر» (جي كي رولينغ)، ولكن لا بد أن نلاحظ هنا أن أياً من هذه الأعمال باستثناء الأخيرين، لم يحقق نسبة مشاهدة قياسية. وفي الوقت نفسه، قدّمت أعمال سينمائية تروي سيرة شخصيات أثارت جدلاً في التاريخ، وأخرى تحاكي نزاعات سياسية بين بلدان متحاربة، أو تعرض أزمات اقتصادية. غالبية الأعمال المذكورة، حصدت جوائز ونجاحات، لكن معظمها لم يثر اهتمام الأجيال الجديدة، لجديتها وأهميتها، وابتعادها عن السذاجة والكوميديا، وغير هذه من الأمور التي تهم هذه الفئة الواسعة من المشاهدين. ومن هنا، وبما أن الفورة التكنولوجية في العالم، غيّرت قواعد اللعبة، وباتت ألعاب الفيديو، تحقق أرقاماً خيالية، وتشمل استثمارات تتخطى 30 بليون دولار سنوياً، أدرك صناع السينما أن ملايين المستقبل موجودة في هذه الألعاب. وهكذا، كما تحول بعض الأفلام السينمائية في منتصف ثمانينات القرن العشرين ك «الرجل الوطواط» و«الرجل العنكبوت» و«سوبرمان» و«أنديانا جونز» إلى ألعاب فيديو، ها هي شركات الإنتاج العالمية تشتغل حالياً، أكثر وأكثر على تحويل ألعاب الفيديو إلى أفلام سينمائية وليس العكس هذه المرة. وهكذا تفيدنا الأخبار المتداولة بأن الممثلة الإنكليزية، إيموجين بوتس، تستعد لأداء دور البطولة في فيلم «نيد فور سبيد»، إلى جانب الممثل الأميركي، آرون بول، وهو الفيلم المقتبس عن لعبة الفيديو التي تحمل اسم «نيد فور سبيد». وعلماً أنه قد تقرر أن تؤدي بوتس في الفيلم دور تاجرة تبيع السيارات الفخمة التي يرغب فيها الأثرياء. وسيتولى، سكوت ووغ، إخراج الفيلم المقرر عرضه في 7 شباط (فبراير) 2014. وستنتج شركة «روفيو» الفنلندية للبرمجيات ومصممة لعبة «أنغري بيردز»، أول فيلم سينمائي يستند إلى هذه اللعبة الشهيرة المكرسة للهواتف النقالة. ولكن فيلم الرسوم المتحركة هذا والذي سيصور بتقنية الأبعاد الثلاثة لن يعرض قبل صيف العام 2016 وسيمسح للشركة بإقامة استوديو تحريك خاص بها ومنافسة استديوات ديزني ربما. وبعدما غيرت سلسلة ألعاب الفيديو الشهيرة «أساسينز كريد» (عقيدة المغتالين)، زمانها ومكانها في نسختها الجديدة، وانتقلت من عصر النهضة الأوروبية إلى حرب الاستقلال الأميركية، من دون تغيير مبادئها الرئيسة، ستنتقل إلى السينما بين العامين 2014 و2015، بعدما بلغت مبيعاتها الإجمالية أكثر من 40 مليون نسخة. والحال إن هذه المشاريع ليست سوى عينة بسيطة، تلوح منها أن السينما باتت تنهل من كل شيء، هي التي عدا كل الصناعات، تفتش عن الربح المادي، الذي يعتبر أساساً لبدء أي عمل تجاري. أما المتابع لألعاب الفيديو، فيدرك التطور التي وصلت إليه هذه الألعاب وتقنياتها، خلال ال 15 سنة الماضية، حيث انتقلت من مرحلة البدائية إلى الاحتراف، بما في ذلك الاستعانة بكتّاب السيناريو ومصممي الغرافيكس والحركة والاعتماد على أبعاد ثلاثية، والاهتمام بالشخصيات الكرتونية التي أضحت أقرب إلى الحقيقة، ونقاء الصورة، واستعمال أفضل البرمجيات. ومن خلال نقل هذه الأعمال إلى السينما، تكون الأخيرة قد سلكت طريقها للإمعان في اجتذاب فئة جديدة من الجمهور، كانت اهتماماتها لا تتخطى شاشة الكومبيوتر أو الهاتف النقال. لا نقول هنا إن كل ألعاب الفيديو التي نقلت إلى السينما نجحت، إذ فشل كثير منها ك «سوبر ماريو» و«شارع المقاتلين» و«بيت الأموات» و«وحيداً في الظلام»، لأنها ركزت على الجانب التجاري فقط، وعلى شهرة اللعبة من دون مراعاة، إطالة المشاهد، وتقديم أبطال بلا لون أو هوية، وعدم الاستعانة بممثلين ومخرجين جيدين. ولكن في المقابل جذب بعض العناوين، مئات ملايين اللاعبين حول العالم إلى قاعات السينما، لما قدّمته أفلامها من إثارة وتشويق مستعينة بممثلين مشهورين، مع اهتمام متزايد بتفاصيل العمل. ومن هذه الأفلام «تومب رايدر» التي شاركت فيه الممثلة أنجلينا جولي التي تشابهت إلى حد كبير مع بطلة اللعبة «لارا كروفت»، وقدّم منه جزءان، على أن يعرض الجزء الثالث منه منتصف هذه السنة، إضافة إلى «هيت مان» و«سايلنت هيل» و«ريسدنت ايفل» و«برنس أوف بيرسيا». واللافت في هذه الأعمال في شكل عام، أنها التزمت أجواء اللعبة الأصلية، واقتبست منها مشاهد كاملة كانت غاية في الإتقان والروعة.