أثارت المواجهات بين الأمن والمتظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي مساء أول من أمس في ذكرى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك تساؤلات عن وجود «ميليشيات» تابعة لجماعة «الإخوان المسلمين» تعاون الشرطة في توقيف المتظاهرين، وفق ما ظهر في مقاطع عدة التقطتها عدسات قنوات إخبارية، وهو أمر سلط عليه الضوء تقرير لمنظمة «العفو الدولية» وثقت فيه شهادات ناشطين قالوا إنهم تعرضوا لتعذيب في معسكرات تابعة لقوات الأمن المركزي، وروى بعضهم أنهم أوقفوا في مناطق التظاهر من قبل مدنيين سلموهم للشرطة. وكانت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين استمرت حتى فجر أمس حتى تحول شارع الميرغني في مواجهة القصر إلى ما يشبه ساحة حرب، وانتشرت فيه آثار إطارات سيارات مشتعلة احتمى المتظاهرون بدخانها من رائحة الغاز المسيل للدموع الذي ألقته الشرطة بكثافة عليهم. وأصيب عشرات المتظاهرين في هذه المصادمات بينهم خمسة أشخاص جُرحوا بطلقات نارية وخرطوش، وفق مسؤول طبي في مستشفى هيلوبوليس القريب من القصر. وبعد ليلة من الكرّ والفرّ في محيط القصر، هدأت الأوضاع الميدانية صباحاً وعكف عمال النظافة على إزالة «ركام المعركة» ورفعت سلطات المحافظة سيارة محترقة من منتصف شارع الميرغني كان متظاهرون يحتمون بها، فيما أغلقت غالبية المتاجر في المنطقة أبوابها. وأظهرت لقطات أذاعتها قنوات تلفزيونية محلية أشخاصاً بلباس مدني يخرجون من مدرعة للشرطة ويحاولون سحب أحد المتظاهرين داخلها، قبل أن يُلقي عليهم زملاؤه زجاجات حارقة ليفروا إلى داخل المدرّعة ويغلقون أبوابها. وبدا أن الأشخاص الثلاثة غير مدربين على توقيف المتظاهرين، إذ أظهروا عشوائية في القبض عليهم وجذبهم نحو المدرّعة التي لم يظهروا كفاءة في تحريكها بعيداً من المتظاهرين، فظلت تتقدم وترجع إلى الخلف لثوانٍ قبل أن تختفي من الصورة. وأظهرت لقطات أخرى شخصاً بملابس مدنية يُطلق النار من سلاح خرطوش صوب تجمع لم يتضح ما إذا كان لقوات الأمن أو لمتظاهرين، ما عكس انتشار مسلحين مجهولين في مناطق الاشتباكات. وفي حين ذكرت وزارة الداخلية أنها اعتقلت 20 شخصاً في محيط قصر الاتحادية، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن متظاهرين كانوا في قلب الاشتباكات قولهم إن «هناك أعداداً من جماعة «الإخوان المسلمين» موجدة مع قوات الأمن المركزي وهناك أشخاصاً يرتدون زياً مدنياً يتنقلون بالسيارات المدرّعة الخاصة بقوات الأمن المركزي ويرتدون أقنعة على وجوههم، ومهمتهم إلقاء القبض على المتظاهرين فقط واقتيادهم إلى داخل مدرّعات الشرطة». وذكرت الوكالة الرسمية أن قوات الأمن أطلقت طلقات خرطوش على المتظاهرين، وأصابت عدداً منهم، وجرح بعضهم في العين. وأكدت أن معظم حالات الاعتقال بين المتظاهرين ينفذها أفراد يرتدون زياً مدنياً. وصبت روايات لناشطين اعتقلوا خلال الاحتجاجات المستمرة منذ 25 كانون الثاني (يناير) الماضي في الاتجاه ذاته، وأتت هذه الروايات ضمن تقرير لمنظمة «العفو الدولية» قالت فيه إنه «بعد مرور عامين على تنحي مبارك تزايد الإحباط من المسار البطيء للإصلاح والانتهاكات المستمرة للشرطة وقوات الأمن التي ما زالت تتمتع بحصانة الإفلات من العقاب». وأشارت المنظمة إلى أن «وحشية الشرطة كانت واحدة من الدوافع الرئيسة لثورة 25 يناير (لكن) الحكومة الحالية لم تتعلم الكثير من سقوط سابقتها وتغض الطرف، على رغم الأدلة الواضحة أمامها عن حالات التعذيب المتكررة وتزعم أنها ممارسات فردية». ولفتت إلى واقعة سحل المتظاهر حمادة صابر أمام قصر الاتحادية وتعرضه «للضرب بوحشية» من قوات الأمن المركزي «ما يدل على استمرار وحشية قوات الأمن... وقيام صابر بتغيير شهادته أكثر من مرة يثير تساؤلات عن احتمال تعرضه لضغوط من وزارة الداخلية، ما يعيد التذكير بالأساليب القديمة الوحشية وإنكار الحكومة إياها ومحاولات التعتيم عليها». وقال البيان إن صابر ليس الضحية الوحيدة، وأوردت شهادات لمحتجين ومارة اعتقلوا عشوائياً وتعرضوا للضرب على أيدي قوات الأمن. وقال ناشط (17 عاماً) للمنظمة إنه تم إيقافه عصر 30 كانون الثاني الماضي في شارع طلعت حرب القريب من ميدان التحرير الذي كان يشهد احتجاجات، من اثنين من الرجال في ثياب مدنية سلماه إلى شرطة مكافحة الشغب. وأضاف الصبي: «وجدت نفسي محاطاً بحوالى 30 من أفراد شرطة مكافحة الشغب، ظلوا يضربونني بالهراوات في جميع أنحاء وجهي وجسمي، وألقوا بي على الأرض وداسوني بأحذيتهم وسحلوني وتورمت عيني اليسرى وجُرح ظهري». وأوضح أنه نُقل مع تسعة محتجزين آخرين إلى معسكر طرة للأمن المركزي حيث «عانيت من إذلال وضرب أكثر». وروى أنه والمعتقلين الآخرين أُجبروا على التجرد من ملابسهم لمدة 45 دقيقة، فيما كان الطقس بارداً، واستمر أفراد الشرطة في ضربهم خصوصاً في مناطق الجروح التي خلفتها عملية الاعتقال الأولى. وأشار إلى أنه لم يُعرض على النيابة إلا بعد خمسة أيام، وطوال هذه الفترة مُنع من الاتصال بأي من أقاربه أو الوصول إلى محامٍ أو حتى تلقي العلاج الطبي اللازم. وقال: «كنت آمل في أن تتغير الأمور مع الرئيس الجديد المنتخب، ولكن كل شيء ظل على حاله، كنا نريد الحرية والكرامة (لكن) بدلاً من ذلك نتعرض للضرب والإهانة من قبل الداخلية مثلما كان يحدث قبل الثورة». وأوضحت المنظمة أن كثيرين من المعتقلين قاصرون، ويتعرضون إلى سوء المعاملة كما البالغين، وأشارت إلى أن بعضهم أُطلق من دون تهمة، في حين أن آخرين لا يزالون معتقلين أو أفرج عنهم بكفالة بتهمة الشغب والإضرار بالممتلكات العامة ومقاومة السلطات. وروى صبي يدعى محمد (16 عاماً) للمنظمة أنه اعتقل مساء 28 كانون الثاني الماضي قرب ميدان التحرير. وقال: «ما حدث أن حوالى ثلاثة من أفراد شرطة مكافحة الشغب التفوا حولي وضربوني بالهراوات على جميع أنحاء جسمي ونزعوا حزامي وضربوني به فوقعت على الأرض واستمروا في ضربي وداسوا ظهري بأحذيتهم، ثم وضعوني في سيارة مدرّعة وكنت أول المعتقلين فيها، لكن في شكل دوري كان يصل معتقلون آخرون، وكل شخص جديد يحضرونه كان يبدو عليه تعرضه للضرب، وكان هناك شخص واحد عيناه منتفختان، وكانت حاله سيئة، وفي نهاية المطاف أصبحنا حوالى 25 معتقلاً بينهم أطفال، وجاء حوالى سبعة من رجال الشرطة وبدأوا في ضربنا عشوائياً بالهراوات والأحزمة، وبقينا في السيارة ليلة كاملة، وعند نقطة ما رش الغاز المسيل للدموع داخل السيارة، ففقد بعضنا الوعي، ولم نحصل حتى على الماء، وفي الصباح نقلوا إلى معسكر السلام للأمن المركزي، وعرضت على النيابة بعد 5 أيام من الاعتقال». ومعروف أن الدستور الجديد يُلزم الشرطة بعرض أي محتجز خلال يوم واحد من اعتقاله. وأشارت «العفو الدولية» إلى حال الناشط في «التيار الشعبي» محمد الجندي الذي اختفى خلال احتجاجات ذكرى الثورة قبل أن يظهر في حال موت سريري في مستشفى حكومي، واتهمت أسرته الشرطة بتعذيبه حتى الموت، لكن وزير العدل ومسؤولين أمنيين تحدثوا عن أنه قضى في حادث سير. ونقلت المنظمة عن صديق للجندي قوله إنه رأى جسده في المستشفى وبدت عليه علامات تعذيب واضحة منها «كدمات على ظهره ورقبته، فيما أصابعه متورمة وأظافره كانت شبه منزوعة وقد تعرض لإصابة غائرة في رأسه بعمق بضعة سنتيمترات». وذكرت المنظمة أنها أطلعت على وثيقة رسمية تشير إلى أن «محمد الجندي تعرض لعدد من الإصابات في الرأس ويعاني من نزيف في الدماغ». وذكرت أن المقربين من الجندي يشكّون في وفاته نتيجة التعذيب، وتستند هذه الشكوك إلى معلومات غير رسمية حصلوا عليها تُفيد باحتجازه في معسكر الجبل الأحمر للأمن المركزي، وأشارت إلى أن أربعة من زملائه ذهبوا إلى المعسكر للاستفسار عن مكان وجوده، واطلعوا على سجل يضم أسماء 67 شخصاً محتجزين هناك، ليس من ضمنهم الجندي. ونقلت المنظمة عن زملائه أنهم عرضوا صور الجندي على بعض المفرج عنهم من المعسكر، وتعرف إليه أحدهم وقال إنه احتجز في الجبل الأحمر وإن نظارته كُسرت وكان يعاني من إصابة في الرأس. وما عزز هذه الشكوك أن زملاء الجندي سألوا إدارة مستشفى الهلال التي توفي فيها عن وجوده خلال الفترة من 28 إلى 30 كانون الثاني الماضي، وأبلغوا من إدارة المستشفى بأنه لا يوجد نزيل بهذه البيانات. كما أن شاهداً قال أمام نيابة قصر النيل إنه شاهد الجندي أيضاً في معسكر الجبل الأحمر. وطالبت المنظمة السلطات المصرية بضمان أن يكون التحقيق في وفاة الجندي «محايداً ومستقلاً، ويشمل شهادات من جميع المعتقلين في أحداث الشغب في معسكر الجبل الأحمر». وقالت إن «الجهات الرسمية التي يشتبه في تورطها في وفاة الجندي، وتحديداً وزارة الداخلية، لا ينبغي أن تشارك في جمع الأدلة أو الحصول على معلومات حساسة منها في هذه القضية، ويجب حماية جميع الشهود في القضية من الإكراه والترهيب». وقالت إن «الإفلات من العقاب على وحشية الشرطة كان السمة المميزة لحكم مبارك، وبعد مرور سنتين على تنحيه، يجب على الرئيس محمد مرسي اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان أن إدارته لا تملك السمات نفسها». في غضون ذلك، وقعت مناوشات محدودة بين الشرطة وصبية من المتظاهرين قرب ميدان التحرير، بعدما رشق صبية وأطفال بالحجارة قوات الشرطة المتمركزة خلف جدار خرساني في مدخل شارع الشيخ ريحان، فبادلهم الجنود الرشق بالحجارة. واستمر المعتصمون في ميدان التحرير في إغلاق مجمع التحرير الذي يضم عشرات المصالح الحكومية، ووقعت مشادات بين موظفين ومواطنين يرغبون في قضاء مصالحهم. ورشق صبية وملثمون بالحجارة واجهة فندق «شبرد» القريب من ميدان التحرير، وكذلك مبنى وزارة الصناعة المجاور له.