عادت مؤسسة الديوان الملكي في الأردن إلى واجهة المشهد السياسي من جديد، إثر تكليف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لها باستشارة أعضاء البرلمان في شأن رئيس الحكومة المقبلة، الذي يتوقع أن يعلن عنه في غضون أيام. وكان كفيلاً ان يعيد هذا التطور اللافت، خلال ال 48 ساعة الماضية، الجدل المحتدم في شأن الدور الحقيقي لمؤسسة الديوان ولرئيسها الجديد فايز الطراونة، رئيس الوزراء السابق والسياسي المخضرم، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات النافذة والفاعلة في قرارات الدولة خلال العقدين الماضيين. وسرعان ما اتهم الطراوانة من جهة أطراف في المعارضة، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، بالسعي إلى تشكيل «حكومة نافذة وخفية يقودها الديوان إلى جانب حكومتي جهاز الاستخبارات العامة والحكومة المكلفة»، وهو ما تحدث عنه صراحة الأمين العام لحزب «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية للإخوان) حمزة منصور. لكن الطراونة، الذي يعتبر «العرّاب» الحقيقي بل والمهندس الخاص لقانون الانتخاب الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والذي سبق أن خاض معارك سياسية طاحنة في هذا الخصوص مع جماعة «الإخوان» وغيرها من القوى المعارضة، سرعان ما أكد في بيان لم يحمل اسمه بث على وكالة الأنباء الرسمية (بترا) أول من أمس أن «مسؤولية رئيس الديوان في المشاورات المذكورة تتضمن لقاء جميع النواب من كتل نيابية ونواب مستقلين والاستماع إلى وجهات نظرهم في شأن الحكومة الجديدة، بحيث ترفع إلى الملك وفق أعلى درجات الأمانة والحياد والشفافية». لكن اللقاءات التي كان يفترض أن يتم إطلاقها اعتباراً من ظهر أمس في «قصر بسمان»، وهو أحد أقدم القصور الملكية الشهيرة في العاصمة الأردنية، تأجلت على نحو مفاجئ إلى الأحد المقبل، بسبب ما بدا أنه «تشظي» كتل نيابية و»انهيار» أخرى بعد أقل من 24 ساعة على انتهاء معركة «زعامة البرلمان»، التي دفعت بالنائب سعد هايل السرور (66 سنة) إلى واجهة الأحداث المحلية من جديد، وهو الرجل «المحنك» و»الهادئ» الذي ينتمي إلى التيار «المحافظ»، وسبق أن شغل منصب رئيس البرلمان في دورات سابقة، إضافة إلى شغله منصب وزير الداخلية خلال حكومة معروف البخيت. وكان لافتاً حال التصدع «الدراماتيكي» للكتل والمجموعات النيابية على شرفات «المكتب الدائم» للبرلمان، الذي يمثل «حكومة مصغرة» يتزعمها رئيس المجلس، لإدارة شؤون النواب الجدد والقدامى. وظهر خلال الساعات الماضية «تشرذم» الائتلافات التي سرعان ما نشأت وتلاشت مع انقضاء الانتخابات الداخلية، فيما سعى بعض قيادات هذه الائتلافات إلى لملمة أوراقه من جديد، بعد الخسارة المدوية التي مني بها زهاء 5 ائتلافات وجهت دعماً مباشراً لأصحاب «اللحى البديلة»، ممثلين في حزب «الوسط الإسلامي» الذي فشل في نيل كرسي الرئاسة عندما دفع بأحد نوابه إلى الانتخابات الداخلية وهو محمد الحاج، أحد المفصولين السابقين من جماعة «الإخوان». ويطلق لقب «اللحى البديلة» في العاصمة الأردنية على أعضاء «الوسط الإسلامي»، الذي فاز ب17 مقعداً نيابياً، في إشارة إلى أنه جاء ك»بديل» عن «الإخوان المسلمين» الذين واصلوا مناكفتهم في الشارع وقاطعوا الانتخابات. وذكرت مصادر قريبة من صنع القرار ان جهة ما خارج البرلمان شجعت من وراء الكواليس النواب على دعم مرشح «الوسط» لرئاسة البرلمان، الذي لم يحالفه الحظ، ليس ل»عيون الإسلاميين البدلاء» بل لبذل محاولة جادة قد تفضي إلى «الإطاحة» برأس طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان التي يعينها الملك) وأحد أبرز المرشحين لتولي المنصب نفسه من جديد، إذ يمنع العرف السياسي في البلاد أن تتولى شخصيتان أردنيتان من أصل فلسطيني كرسيي الرئاسة في «النواب» و»الأعيان» للفترة نفسها. في موازاة ذلك، فجّر السرور مفاجأة على الساحة السياسية المتفجرة أصلاً، عندما قال ل «الحياة» خلال اتصال هاتفي إن «هناك أصابع عابثة في البرلمان الجديد»، من دون أن يسميها. وأضاف أن «بعض الأصابع التي لن أكشف عنها حاولت التدخل في سير العملية الانتخابية، لكنها لم تستطع التأثير على النتائج، وهو ما يؤكد تغير النهج النيابي وتطوره بشكل إيجابي». وأوضح أن «بناء الثقة بين البرلمان والشارع لن يكون مهمة سهلة، ما لم نتلمس الطريق الصحيحة لاستعادة اللحمة، ونحن قادرون بإذن الله على ذلك». وسبق للسرور أن اتهم أطرافاً داخل الدولة بالتدخل لإفشاله في انتخابات برلمان 2010، وقال حينها إن «الانتخابات شهدت تزويراً وقحاً وسخيفاً». ويبدو أن البرلمان الجديد سيكون على موعد مع أيام حبلى واستحقاقات مصيرية، قد تفتح باب المواجهات «المبكرة» بينه وبين الشارع، إذ يترقب الجميع كيف سيتعامل النواب مع «الضغوط» التقليدية الواردة من بعض المراكز، إضافة الى كيفية تعاملهم مع قضايا رفع الأسعار. وكان العاهل الأردني رهن استمرار بقاء البرلمان ال 17 حتى نهاية مدته المحددة وفق الدستور ب 4 سنوات، في مدى «ثقة» الشارع بأدائه وأدواره التشريعية.