يراودني كثيراََ هاجس العودة إلى نشرات الأخبار العربية والعالمية خلال القرن الماضي. أود استعادة مضامين الأخبار المتلفزة أو الإذاعية أو الصحافية خلال تلك الأيام، ومقارنتها بنشرات «الأخبار» التي تبطش بنفوسنا الآن، كل يوم و «على رأس الساعة»! أتساءل دائماََ: هل الأخبار السيئة هي التي زادت الآن بسبب ازدياد «توحش» الإنسان، أم أن نشرات الأخبار هي التي زادت بسبب «تمدن» الإنسان وانغماسه في ثورة المعلومات؟! وكنت قد تساءلت، في موضع آخر قبل سنوات: أني في طفولتي لم أكن أعرف مشكلة في العالم سوى فلسطين، الآن أصبح العالم كله مشكلة! هل أنا الذي كبرت وازداد وعيي، أم أن النزاعات والحروب هي التي كبرت؟! لكني قبل أن أحصل على نشرات أخبار، عهد الأبيض والأسود، أستطيع أن أتخيّل خريطة الأحداث إذ ذاك: فمن الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية، ثم قيام دولة إسرائيل في عام 1948، ثم احتلال القدس في 1967، ثم «شبه» الانتصار العربي في حرب 1973، عدا المعارك «الأخوية» في لبنان واليمن والعراق والكويت. لا شك أن المنطقة مزدحمة، دوماََ ومنذ عصور طويلة بالأحداث الملتهبة والمشوقة لمحبي نشرات الأخبار وصنّاعها. لكن تلك الأخبار الدموية السيئة والمضرّة بصحة المشاهدين لم تكن حينذاك يومية و «على رأس الساعة»، بل كانت مرتبطة بالحرب أو الحدث حتى ينطفئ أو يخبو أواره على الأقل، ولهذا كنا نحس بنبرة الصرامة في صوت ماجد سرحان أو هدى الرشيد أو ماجد الشبل حين قراءة النشرة. أما الآن فأخبار التدمير والتفجير تأتي كل يوم «بدون توقف»، حتى أصبح مذيع نشرة الأخبار يتلو خبر الانفجار أو القصف وهو مبتسم، ثم عندما تنتهي الأخبار البشعة التي بحوزته يلتفت إلى مذيعة النشرة الجوية، ويداعب مكياجها الصارخ ويغازل زيّها الفاتن، قبل أن يطلب منها أن تذيع أخبار الطقس والفيضانات التي دمرت قرى بأكملها والسيول التي جرفت الناس الأبرياء والمشاريع غير البريئة! لم تعد «نشرة الأخبار» حالة استرجاع وتأمل وحوقلة وألم، كما كانت في السابق، بل هي الآن حالة «نشوة» في السبق والوصول إلى الحدث، وكسب المشاهد... وبالتالي كسب المعلن! إنها رقصة الانفلات الرأسمالي... حتى التأبين. * كاتب سعودي Twitter | @ziadaldrees [email protected]