وحدة الصف العربي، وتضامن الشعب العربي، وتلاحم الشعور العربي، وتناغم الفن العربي، وكل ما هو عربي مشترك قد يكون مهدداً أكثر من ذي قبل. السبب لا يكمن فقط في التوحش الإسرائيلي، أو في الصمت الأميركي، أو التجاهل الأوروبي، لكن ل «التوك شو» العربي يداً خفية. فكل من كان يسافر إلى الولاياتالمتحدة في عصر ما قبل الفضائيات كان يعود منبهراً بكم برامج الحوار الأميركية المفرطة في المحلية. فهذا برنامج يتناول مشكلة انقطاع الكهرباء لمدة نصف ساعة في مدينة مغمورة، وهذا تنويه عن احتمال هبوب عاصفة على الساحل الشرقي لمدة ساعتين. كبر مساحة أميركا، بالإضافة إلى تقوقع الأميركيين على أخبارهم الداخلية كان سبباً في التفكه عليهم بأنهم يعتقدون أن العالم ينتهي عند حدود المحيطين الأطلسي والهادي. ومع فارق الزمن، واختلاف الموقع الجغرافي، وتباين الظروف الحياتية، فإن الهجمة الشرسة للبرامج العربية المختلفة، لا سيما ال «توك شو» على شتى القنوات والتي تميل في غالبيتها إلى المحلية تشير إلى حالة من التقوقع العربي. وعلى رغم استمرار نشرات الأخبار التي يفترض أن تغطي كلاً من الأخبار المحلية والعالمية، وعلى رغم التواجد الثري للقنوات المصنفة تحت بند «العربية» دون تحديد لجنسية بعينها، إلا أن هناك اتجاهاً وميلاً واضحين لدى كثيرين لتمضية السويعات المتاحة أمام قنوات ذات طابع محلي لمتابعة شؤونهم، ولو لفترات قصيرة، سرعان ما يعودون منها إلى قنوات الأفلام أو المسلسلات أو الأغنيات التي ما زالت العامل الأقوى والأكثر تأثيراً في وحدة الصف العربي. على صعيد آخر، فإنه طالما كانت الأحداث خالية من المجازر أو الكوارث، أو الحروب والغزوات المتوقعة بين لحظة وأخرى، فإن المشاهد العربي كثيراً ما يكتفي بما تمنحه إياه قنواته من جرعة عربية أو دولية من الأخبار، وهي عادة ما تكون مشكلة بحسب الطابع والنكهة المحليين أيضاً. فقمة «سرت» مثلاً في التلفزيون المصري، الخاص منه والرسمي، تختلف عنها في التلفزيون «الأردني» أو اللبناني أو الإماراتي أو الجزائري. فما اعتبرته هذه القناة بؤرة أحداث القمة جاء في ذيل أخبار قناة أخرى وأغفلته تماماً قناة ثالثة. الطريف أن توصيات القمة، على رغم أنها واحدة، بدت في القنوات المختلفة كأنها توصيات صادرة عن قمم مختلفة. على أي حال، يبقى الحديث عن وحدة الصف العربي، وضرورة التضامن الشعبي، وحتمية المصير المشترك، عبارات يطالب بها الساسة، وينقلها التلفزيون برؤى متعددة ونماذج مبتكرة يندرج كلها تحت بند «الأخبار العربية» التي تلي الفقرة الرئيسة في البرنامج اليومي المخصص لمتابعة أحداث هذا البلد أو ذاك. يشار إلى أن أصابع المشاهدين كثيراً ما تعبث بأزرار الريموت كونترول عقب انتهاء الفقرة الرئيسة.