اختتمت القمة الإسلامية أعمال دورتها الثانية عشرة في القاهرة أمس بعد اجتماعات استغرقت يومين سيطرت عليها الأزمة السورية، وسعى القادة أمس إلى التوافق على حل وسط للوصول إلى اتفاق حول هذا الأمر، فيما تحفظت إيران عن بعض فقرات القرار الخاص بسورية. واتفق القادة خلال مناقشاتهم على ضرورة التوصل إلى حل سريع للأزمة السورية يحفظ وحدة الأراضي السورية، ويضمن عدم التدخل الأجنبي فيها. واختارت منظمة التعاون الإسلامي أياد أمين مدني مرشح المملكة العربية السعودية، أميناً عاماً جديداً لها اعتباراً من الأول من كانون الثاني (يناير) المقبل، فيما تقرر أن تستضيف تركيا الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي في عام 2016. وعلى هامش القمة، وقع وزير الخارجية الإيراني على أكبر صالحي مع نظيره السنغالي مانكير نداي اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين طهران ودكار. وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التقى الرئيس السنغالي ماكي سال على هامش أعمال القمة وبحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين. وتوج اللقاء بالاتفاق على استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بعدما أبدى الجانبان رغبتهما في استمرار العلاقات الثنائية المبنية على الثقة المتبادلة واحترام القرارات والاتفاقات بين البلدين. وشهدت الجلسة الختامية للقمة خلافاً بين السودان وأوغندا، إذ طلب رئيس الوفد الأوغندي خلال الجلسة التعقيب على الشكوى التي تقدم بها السودان ضد بلاده، داعياً إلى تشكيل لجنة لتقصي حقائق الأمر، وطلب تعديل فقرة وردت في البيان حول هذه الشكوى. ودعا في مداخلة الأمين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو، إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق على وجه الأرض، إلا أن رئيس وفد السودان علق بأن هذه الفقرة نوقشت خلال اجتماع كبار الموظفين وعلى المستوى الوزاري وأخضعت لمزيد من النقاش وعلى أثر ذلك تدخل الرئيس المصري محمد مرسي، مؤكداً أن السودان وأوغندا بلدان يحترم كل منهما الآخر، وانتهى الأمر بتمرير البيان بصيغته. وكان مرسي رأس الجلسة الختامية للقمة التي تحدث فيها رئيس تجمع الإيكواس رئيس وفد كوت ديفوار علي كوليبالي الذي شكر مصر ومنظمة التعاون الإسلامي على هذا التجمع، مطالباً بمزيد من التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية. ثم تحدث أياد مدني فشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقادة الدول الإسلامية على ثقتهم به وتوليه منصب الأمين العام للمنظمة. وأشاد مدني أيضاً بسلفه وقال «لا حراك للأمة من دون إرادة ولا زعامة من دون روية ولا رؤية من دون مسار». ووجه حديثه إلى قادة الدول الإسلامية قائلاً «أنتم زعامة هذه الأمة وفيكم تتمثل إرادتها، ورؤيتكم تتجسد في هذه المنظمة، وقراراتكم تحدد مسيرة عمل المنظمة». ووجه أوغلو الشكر إلى مصر والرئيس محمد مرسي على منحه وشاح النيل. كما وجه الشكر والتقدير للدول الأعضاء، وقال «أخص بالشكر دولة المقر السعودية، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوقفته مع المنظمة منذ أول يوم لتولي منصبي، وكذلك الشكر لحكومة بلادي التي أتاحت لي هذه الفرصة لخدمة الأمة الإسلامية، وأخص بالشكر الرئيس عبدالله غُل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان». وهنأ أوغلو أياد مدني قائلاً «كلي ثقة بأنه سيحمل الأمانة كما فعلت وأكثر». وقال مرسي إن مناقشات القمة أبرزت أن القضية الفلسطينية تقع على رأس التحديات التي نواجهها باعتبارها حجر الزاوية لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع، وأكدت أهمية أن تتواكب قرارات منظمة التعاون الإسلامي مع التطورات السريعة والتوسع المحموم في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وأشار إلى أن مناقشات القمة أكدت ضرورة تكثيف العمل لوضع حد للمأساة التي يعيشها الشعب السوري الشقيق بعدما خرج للمطالبة بالحرية والكرامة والديموقراطية، كما أكدنا تمسكنا بوحدة الأراضي السورية وسلامتها، وضرورة الحفاظ على نسيج هذا الشعب العظيم وحماية مقدساته وتراثه الثقافي. وأضاف مرسي «أكدت المناقشات دعم وحدة مالي وسيادتها وسلامة أراضيها، وأهمية حشد الجهود التنموية التي تبذل في منطقة الساحل بصفة عامة وفي مالي بصفة خاصة، وكذلك ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للتخفيف من معاناة آلاف اللاجئين والنازحين، كما أدنا الأعمال كافة التي ترتكب ضد السكان المدنيين، وأكدنا أيضاً ضرورة قيام الحكومة الانتقالية بسرعة لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وشفافة ونزيهة». وأكد الحرص على إطلاق رسالة واضحة إلى العالم الخارجي بأن الإسلام يدعو إلى إقامة العدل والحق في إطار من قيم التسامح واحترام المعتقدات وعدم الاعتداء وأن الأمة الإسلامية تسعى إلى الشراكة الإنسانية مع دول العالم على أساس من التكافؤ وحفظ الحقوق والاحترام المتبادل. وقال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو إن القمة الإسلامية قدمت الدعم التام لتطلعات الشعب السوري المشروعة نحو الحرية والعدل والديموقراطية، مضيفاً في مؤتمر صحافي في اختتام القمة «لقد سلطنا الضوء على تطورات الوضع في سورية، وضرورة صون أراضيها ووحدتها وسلامتها، والوقف الفوري للعنف وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان». وأشار إلى أن القمة جددت دعمها للمبادرة الرباعية، التي أطلقها الرئيس محمد مرسي خلال القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكةالمكرمة في آب (أغسطس) الماضي، وكذلك جهود المبعوث الأممي - العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي. وشدّد على التقارب في وجهات النظر بين قادة الدول الإسلامية، وسعيهم لاستعادة أمجاد الأمة، وتعزيز التعاون فيما بينهم. وأشار محمد كامل عمرو إلى أن القمة اهتمت بملف التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، حيث عقد القادة جلسة خاصة للتشاور في هذا الموضوع، وشدّدوا على مواصلة دعم جهود المصالحة الفلسطينية ووحدة الصف من أجل التصدي لممارسات الاحتلال والمتضمنة فرض الحصار على غزة والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبناء الجدار وتهويد القدس. وقال عمرو إن القمة الإسلامية استعرضت مستجدات الوضع في مالي، كما رحبت بجهود المنظمة الدولية في تسوية الأزمة وتعيينها جبريل باسولي وزير خارجية بوركينا فاسو مبعوثاً خاصاً إلى مالي ومنطقة الساحل. وقال أوغلو إنه من المقرر أن يعقد مؤتمر للمانحين خاص بمدينة القدس الشريف، والمنظمة وضعت خطة تشمل قطاعات الإسكان والصحة والتعليم وستعقد هذه القمة في الأستانة في كازخستان، بمشاركة الدول والصناديق المختلفة لتمويل القطاعات الحيوية. ونوه أوغلو بقرار تشكيل شبكة أمان مالية لمصلحة فلسطين، حيث أعرب عدد من الدول الإسلامية عن الاستعداد للمشاركة في تمويل هذه الشبكة. وعن الأزمة السورية، قال أوغلو إنه تم التشاور والتحادث حول هذا الموضوع، وهناك تأييد للمبادرة الرباعية التي تقدم بها الرئيس محمد مرسي في شأن سورية، والدعوة إلى الحوار الشامل، والحفاظ على وحدة الأراضي، والاستجابة لأية دولة تريد المشاركة في هذا الحوار. وقال إن جهود المبعوث الأممي - العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي تلقى كل التأييد وكذلك بالنسبة إلى توحيد القوى السورية، مضيفاً أن القمة الإسلامية حمّلت مجلس الأمن مسؤولية التدخل في ما يحدث في سورية. وأوضح أن إيران كان لها تحفظ عن بعض أجزاء القرار الخاص بسورية في فقرة أو فقرتين. وشدد على أن «إيران وافقت على جزء أساسي من القرار ولها تحفظ عن جزء منه، وهذا أمر طبيعي». ورداً على سؤال حول ما إذا كانت إيران تشبثت لحذف فقرة من البيان الختامي للقمة يحمّل النظام السوري وحده مسؤولية العنف هناك، قال وزير الخارجية المصري «في المؤتمرات الكبيرة تُؤخذ كل القرارات في الاعتبار ويعتد في النهاية بموقف واحد يتفق عليه الجميع»، مشيراً إلى أن التوافق في البيان ينطبق على جميع المسائل بما فيها سورية والبيان يشدّد على الحفاظ على وحدة سورية ونسيج الشعب السوري وتطلعاته وحقوقه. وأكد رئيس وزراء العراق نوري المالكي ضرورة دعم الاتجاهات وتشجيعها وتأييدها نحو إيجاد حل سلمي سريع في سورية، كما جاء في البيان الختامي للقمة الإسلامية لإيقاف نزيف الدم الذي يتزايد يوماً بعد يوم. وأعرب المالكي في تصريحات على هامش القمة عن اعتقاده بأن الآفاق أصبحت تتحدث عن إمكانية إيجاد حل أو مخرج للأزمة السورية يحقق طموحات الشعب السوري وينهي قضية الدم الذي يسيل.