يبدو أن المعادلة مقلوبة في ألمانيا، فالرجال يحاولون جاهدين الحصول على مكتسبات جديدة مكافئة لما حصلت عليه المرأة. وهذا يعود إلى أن المرأة الأوروبية، وخصوصاً الألمانية، حصلت على حقوق يرى كثير من الرجال أنهم لا يتمتعون بها. تعود مكانة المرأة، والأم تحديداً، في ألمانيا إلى زمن الزعيم النازي أدولف هتلر (1889 - 1945) الذي فرض بديكتاتوريته إعلاء شأن المرأة والأسرة والأطفال. لكن ذلك لم يكن عبر قوانين ناظمة، وإنما من خلال خطابات رنانة أكد فيها أهمية «الأم الألمانية»، بصرف النظر عن الأهداف والغايات من وراء ذلك. وبالفعل، حصلت الأم في ألمانيا على مكانة عالية أصبح من الصعب زحزحتها. وتكرّس الأمر بقوة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ لعبت النساء الألمانيات، من أرامل وأمهات، الدور الأساس في بناء البلاد. ولعل المقولة الشهيرة «نساء ألمانيا بنين ألمانيا وليس رجالها»، والتي غالباً ما يردّدها الألمان، تؤكد هذه المكانة. وعليه، يبدو أن القانون الذي صدر أخيراً في ألمانيا، والذي يمنح الأب غير المتزوج الحق في حضانة أولاده في حال الانفصال، قفزة حقيقية إلى الأمام في نظر كثيرين. وثمة حقيقة اجتماعية مفادها أن ثلث الأطفال في ألمانيا هم ثمرة علاقات خارج الحياة الزوجية. وبالتالي، فإن الزواج ليس الشرط الأساسي لتكوين أسرة في ألمانيا، إذ في استطاعة الأب والأم أن يبقيا سنوات مع أولادهم من دون أن تكون فكرة الزواج ملحّة. ولكن، يصبح الأمر بالغ الصعوبة عندما يقرر أحد الطرفين الانفصال. ففي هذه الحال، يُحرم الأب من حضانة أولاده، وقد يُحرم حتى من رؤيتهم. فالولد يتبع والدته بالاسم والكنية، إلا إذا أرادت هي عكس ذلك. وفي حالات عدم الزواج، يقتصر حق الحضانة على الأمهات فقط. هكذا، كانت الحضانة الأبوية من حق الأب المتزوج حصراً. ولكن، بعد نضال كبير من جانب الآباء غير المتزوجين، تمكنوا أخيراًً من جعل البرلمان يوافق على إصلاح تشريعي يمنح الأب غير المتزوج حق الحضانة. ولم يحظَ هذا الإصلاح بموافقة كل أحزاب البرلمان، فحزب «إس بي دي» (spd) صوّت ضد مشروع القانون، كما انتقد الحزب الديموقراطي الاشتراكي تمريره في البرلمان، ولكن حزبَي «الخضر» و «إف دي بي» (fdp) تمكنا من جعله أمراً واقعاً. ونتيجة الإجراء القانوني الجديد، أصبح في إمكان الأب كتابة رسالة إلى المحكمة يطالب فيها بحضانة طفله، وعلى المحكمة النظر في الرسالة، والتحقق من أهليّة الأب لتربية الطفل، في مقابل عدم أهليّة الأم. ويتضمن ذلك تحقيق الكثير من الشروط، مثل المسكن المناسب والأجر الجيد وعدم التدخين والإدمان على المخدرات. فإدمان أحد الوالدين أو تدخينه يُعدّ «نقطة سوداء» تُنقِص من حق الحضانة. ويتنافى القانون القديم الذي يمنح الأم فقط حق الحضانة مع البند الأساس من الدستور الألماني الذي يعتبر جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لذا يرى كثيرون أن الإصلاح الجديد للقانون يتوافق مع الدستور الألماني، وهو أمر لا بد منه.