يثبت انسحاب أصحاب القبعات الزرق من تيمور الشرقية أن البلاد التي شهدت عقوداً من النزاعات حققت السلام أخيراً، لكن يبقى عليها أن تبني اقتصاداً أقل اعتماداً على المحروقات بغية القضاء على الفقر المستشري فيها. وتقول مارتا دي جيسوس (48 سنة) التي لم تشارك أبناء بلدها فرحتهم وفخرهم بانسحاب القبعات الزرق في 31 كانون الاول (ديسمبر) الماضي بعد وجود استغرق 13 سنة: «كان لدينا 13 طفلاً، لكن توفي اثنان منهم، أحدهما من الملاريا والآخر من سوء التغذية». وفي قريتها كولاو راي هون التي تبعد أقل من نصف ساعة عن العاصمة ديلي، يلعب أطفال منتفخو البطن وسط أكواخ من الصفيح، بينما يشرب ذووهم العاطلون عن العمل القهوة ويدخنون السجائر وهم جالسون على طول درب تحيط بها الشجيرات. لكن زوج مارتا حالفه الحظ في العمل سائق أجرة، وهو يؤمن لعائلته نحو 4 يورو يومياً، ما يسمح له بشراء خمس كيلوغرامات من الرزّ أسبوعياً، بحسب زوجته: «لا نأكل سوى الرز. إذا كان لدينا مزيد من المال، نشتري اللحم وأحياناً الذرة». تقع تيمور جنوب شرقي آسيا وشمال أستراليا، وهي من أكثر البلدان الآسيوية فقراً، إذ إن نصف سكانها البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة يعيش تحت خط الفقر. وتعد نسبة سوء التغذية فيها ثالث أعلى نسبة في العالم، ويبلغ معدل وفيات الأطفال فيها 55 من مئة ألف نسمة، أي أكثر مما هو في بنغلادش مثلاً. وتسجل المستعمرة البرتغالية السابقة ذات الأكثرية الكاثوليكية أعلى نسبة خصوبة في العالم، أي 6.5 أطفال للعائلة الواحدة. وأعاقت أعمال العنف التي رافقت إنهاء الاستعمار في البلاد كل محاولات التنمية. وقتل ربع السكان بين عامي 1975 الذي شهد رحيل البرتغاليين واجتياح اندونيسيا للبلاد، و2002 الذي شهد الاستقلال. وأحيا اكتشاف المحروقات في بحر تيمور الآمال، لكنه أدى إلى اعتماد البلاد عليها في شكل مفرط. فأكثر من 80 في المئة من موازنة الدولة يستند إلى هذه الموارد، علماً أن الخبراء يحذرون من أنها بعد 15 سنة تقريباً. وفي ظل الانتقادات، خفضت الحكومة موازنتها التي ستعتمد هذا العام على المحروقات بنسبة 66 في المئة فقط، ووضعت خطة طموحة تهدف الى تحويل هذا البلد الريفي الى اقتصاد مديني بحلول العام 2030. وبغية تحقيق الهدف، يعتزم رئيس الوزراء شانانا غوسماو تحويل الزراعة القديمة والبالية إلى قطاع مصدر يشمل القهوة وزيت النخيل... والفانيلا. وتهدف الخطة أيضاً الى تنمية صناعة تستند خصوصاً إلى تطوير تكرير النفط، علماً أن تيمور تصدر حالياً النفط الخام. وسيُعزز أيضاً قطاع السياحة الذي لا يزال يخطو خطواته الأولى. لكن الكثيرين يشككون في إمكان نجاح هذه المشاريع، مثل الخبير في شؤون تيمور دايمان كينغزبوري، الذي يرى أن «فرص تنمية الصناعة محدودة جداً». ويضيف: «لن يتمكنوا أبداً من تطوير قطاع صناعي قابل للحياة. فالسوق الداخلية غير كافية وهم لا يملكون الدراية اللازمة». أما المعارضة، فترى أن على الحكومة التركيز على الحد من الفقر. ويقول النائب المعارض استانيسلاو دا سيلفا إن «سوء التغذية المزمن ارتفع في شكل ملحوظ. عندما نذهب الى المناطق الريفية لا نرى أي تغيير، ما يدفعنا إلى التساؤل عما حصل بالأربع بلايين دولار التي أنفقتها الحكومة السابقة». ويجيب نائب رئيس الوزراء فرناندو لا ساما دي أروجو: «نحن لا نقول إننا سنقضي على الفقر كلياً، لكننا نبذل ما في وسعنا للحد منه».\