مدام فتحية: «حمادة كويس الحمد لله. والناس محترمة جداً هنا وواقفين معنا هنا». المذيع: «هنا فين؟». مدام فتحية: «مستشفى الشرطة». المذيع: «مستشفى الشرطة اللي فين؟». مدام فتحية: «مش عارفة الصراحة». المذيع: «والموقف أيه عندك؟ هل وفروا لك كامل الرعاية؟». مدام فتحية: «أيوه ومساعد الوزير لحقوق الأقسام جه بنفسه». تضحك مدام فتحية فيرد المذيع ظناً أنها تبكي: «معلش احنا نقدر». مدام فتحية: «مساعد الوزير معايا وجاي له الصبح: مساعد الوزير لحقوق الأقسام سعيد فكري». يهمهم أحدهم بالاسم الصحيح إلى جوراها، فتسارع مدام فتحية: «حسين بيه فكري». المذيع: «مين جنبك يا مدام فتحية؟». مدام فتحية: «ألو ألو». المذيع: «نشكر مدام فتحية زوجة المواطن المسحول حمادة صابر». في الوقت نفسه، بينما يلقن أحدهم «مدام فتحية» اسم مساعد الوزير لحقوق الإنسان والذي وصل إليها «حقوق الأقسام» وتسهب هي في التغزل في حلاوة الشرطة وطيبة الداخلية وكرم أخلاقها، كان الشيخ المذيع يؤكد من استوديو قناة «الحافظ» التي تشير في موقعها إلى أن هدفها أن تكون «أحد الرواد في الإعلام المستنير وترسيخ الفكر الصحيح المعتدل على هدي الآية القرآنية الكريمة: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم»، أن «الرجل (المسحول) هو من خلع ملابسه بنفسه. كان عايز يهرب منهم (الشرطة) علشان لما ييجي يهرب ما يعرفوش يمسكوه. لكن ربنا حب يكشفهم، يتامى وأرامل المخلوع (حسني مبارك) اللي مالهمش مهمة غير الحرب على الإسلام». أما وزارة الداخلية نفسها، فقد كان لها موقف مغاير تجاه المواطن المسحول. لم تعتبره ضمن زمرة يتامى وأرامل مبارك، كما لم تشد بجهود مساعد الوزير «لحقوق الأقسام»، بل اعتذرت، واعتبرت تعذيب الرجل وسحله وتجريده من ملابسه على يد مجموعة من رجالها «تصرفاً فردياً، وليس عقيدة رجال الشرطة الذين لا يدخرون جهداً في حماية أمن الوطن واستقراره والتضحية بأرواحهم فداءً لأمن المواطن». ومن حقوق الأقسام إلى حقوق الإنسان التي أشارت إليها أمس رئاسة الجمهورية على رغم الألم الذي أصابها جراء «المقطع الصادم الذي يصور تعامل بعض أفراد الشرطة مع أحد المتظاهرين في شكل لا يتفق مع الكرامة الإنسانية أو حقوق الإنسان». المؤسسة ذات المشاعر الرقيقة أشادت في بيان لها «بما صدر عن وزارة الداخلية في ما يتعلق بمقطع الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام والذي تضمّن تأكيد الوزارة أن ما حدث هو تصرف فردي ولا يعبر بأي حال عن عقيدة جموع رجال الشرطة وأنه سيكون محل تحقيق مؤكداً عدم التستر على أي خطأ أو تجاوز». وعلى رغم رقة المشاعر، والمجاملات المتبادلة، حذر البيان الرئاسي من أنه «ليس مقبولاً من أحد أن يزايد على أخطاء فردية مشجوبة من الجميع ليبرر جريمة الاعتداء على منشآت الدولة وتبني أسلوب العنف والتخريب بدلاً من سلمية التعبير عن الرأي». وبينما تنتظر مؤسسة الرئاسة نتائج التحقيق في «الواقعة الفردية»، خرج رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، سعد الكتاتني عازفاً على وتر انتظار نتائج التحقيق والإشادة بالداخلية أيضاً. هذه المشاعر الفياضة والأحاسيس المرهفة لا يفهمها الغرب المادي بثقافته البعيدة عن الروحانيات ومفاهيمه العارية من المجاملات. قناة «سي أن أن» الأميركية لم تر في مشهد السحل ما رآه أهل الحكم في مصر من إشادة بالداخلية أو غزل في طيبة مساعد الوزير لحقوق الأقسام أو حتى شن المسحول حرباً ضد الإسلام، بل رأت فيه ما يستوجب الاعتذار لمشاهديها ونصحهم بإبقاء الأطفال بعيداً لبشاعة المحتوى. لكن الأبشع من المحتوى هو ما خلفه المحتوى، فمحبو الجماعة وحلفاؤها لم يكتفوا بإلصاق تهمة محاربة الإسلام بالرجل، أو حتى الإشارة إلى علاقة نسب أو قرابة باعتباره من أيتام وأرامل مبارك، بل تم تخصيص من يؤكد أنه «محترف إشعال حرائق واختصاصي مولوتوف»، بعد الإشارة إلى أنه «كان يحمل 18 زجاجة مولوتوف»، وهو ما جعل أحد «أعداء الإسلام» يتساءل: «كيف يمكن له أن يحمل هذا الكم من الزجاجات وهو بلبوص (عار)؟»، وتفكه آخر: «هذا يعني أنه كان يروج لبضاعته أمام القصر مولوتوف يا هانم؟ مولوتوف يا بيه». آخرون تساءلوا كذلك عن كيفية انضمامه إلى «بلاك بلوك» كما جاء على ألسنة محبي الجماعة على رغم أنه بلغ من العمر أرذله. بعضهم توقع أن تبادر الجماعة إلى تأكيد أن المسحول «إخواني»، وآخرون وصفوه بأنه «بلطجي مأجور» من قبل «جبهة خراب مصر»، وهو التوصيف «الإخواني» ل «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة. فريق ثالث رأى فيه مواطناً تمت تعريته وسحله في خرق سافر لما تبقى من «ثورة يناير»، حتى وإن أثبتت التحقيقات أنه بلطجي أو ليبرالي أو علماني أو إخواني أو مبيض محارة عاطل من العمل ومتزوج من «مدام فتحية» ويحظى برعاية مساعد الوزير لحقوق الأقسام. لكن المفاجأة الحقيقية جاءت من حيث لم يحتسب أحد، إذ نفى المواطن المسحول تعرضه للسحل في تحقيقات النيابة معه أمس. ليس هذا فقط، بل اتهم المتظاهرين بأنهم من عروه ظناً منهم أنه من مجندي الأمن المركزي، وهو ما أدى إلى تدخل الشرطة التي «أنقذته» من أيدي المتظاهرين. يُشار إلى أن الرجل المسحول «على الهواء مباشرة» والذي أنكر «الهواء» تلقى اتصالاً من وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم حمل اعتذاراً ووعداً بالعلاج وفرصة عمل.