على رغم انشغال الأردنيين بالانتخابات البرلمانية الأخيرة وما شابها من توترات، وجد بعضهم وقتاً لمشاهدة العرض المسرحي «أنا وأنت» الذي قُدّم في مركز الحسين الثقافي في عمّان، برعاية الأمير رعد بن زيد والأميرة ماجدة رعد. يندرج العمل ضمن مشروع عنوانه «حياتنا»، شارك فيه أطفال (4-12 سنة) ممّن تيتّموا أو حُرموا من معرفة والديهم أو أقاربهم، وهم ينتمون إلى فئات اجتماعية فقيرة، وترعاهم مؤسسات خاصة، مثل مركز دار النهضة، ومؤسسة الحسين الاجتماعية، ودار رعاية الأطفال الهاشمي، ومؤسسة رواد التنمية. العرض الذي رعاه بنك عودة وحضرته سفيرة السويد شارلوتا سباره، ومؤسس جمعية «دنيا المحبة» السويدية هنريك ميليوس، هو جزء من مشروع تدور أحداثه بين عمّان والقاهرة، ويتناول حياة الأطفال والمراهقين والفتيات من الفئات الاجتماعية المهمشة في المدينتين. ويليه تقديم سلسلة من الورش على مدار سنتين ، يشارك فيها 200 طفل من دور الأيتام والمناطق الفقيرة بدءاً من أول نيسان (أبريل) 2013. يُستهلّ المشهد الافتتاحي بلوحة لطفلين يندفعان من طرفَي المسرح على أنغام «أعطني الناي وغنِّ» لفيروز. ومن ثم تتوالى لوحات زاخرة بتنويعات «الهيب هوب»، ورقصات غربية أخرى، بمشاركة مجموعات من الأطفال، وهي لوحات تهيمن عليها الحركات الإيقاعية والرياضية خلال أداء الكلمات: «الحياة بيدينا، الحب سياستنا، لنا الحق أن نعيش كما شئنا، من دنيا المحبة جئنا». ولكن الأداء اتسم بالضجيج، سواء لجهة الموسيقى أو الإيقاع الصاخب، وهو ما بدا غير مناسب لسنّ الأطفال المشاركين. وربطت مديرة المشروع إيمان سحيمات ذلك، ب «محاولة العمل على دمج ثقافات مختلفة». بينما جاء التواصل مع أغنيتَي «نتعاون إيد بيد نبني مجتمع جديد، والتطوع خلق إسلامي»، و «الحب حب الأصدقاء، الحب عطاء لبلدنا ووفاء، «سلساً لجهة المعنى، إذ خفتت وتيرة الحوارات الثنائية في أوساط الجمهور. حاول الأطفال التعبير عما يدور في نفوسهم، وما يصبون إلى تحقيقه، من خلال لوحات ورقصات قدموها، جاءت نتاجاً لورش عمل متواصلة ساعدتهم في التعبير، وأشرف عليها اختصاصيون في المسرح التفاعلي والتعبير بلغة الجسد والأغنية. لكن الشكل الفني الذي ظهر فيه الاستعراض، غابت عنه النسقية نظراً إلى دمج أغانٍ غربية وشرقية معاً، فضلاً عن ارتباك حركات راقصة، ما أثّر في المستوى التعبيري وأربك ما كان الأطفال يريدون طرحه، على رغم أن عفوية حضورهم وتوقهم البريء للخروج من الدوائر التي يعيشون فيها، لفتا الأنظار إليهم. نجح العمل في تقديم «احتفال» أضاء على واقع تلك الفئة المنسيّة التي تعيش على هامش الحياة لا في المجتمعات العربية فحسب، بل في القارات الخمس. ويشار إلى جهود بذلها متطوعون من الفنانين، استطاعوا تفجير المكنونات الإبداعية لهؤلاء الأطفال الذين لا يعرف كثير منهم أبويه أو أقاربه، لكنهم أصرّوا على الطيران والتحليق في فضاءات الحياة، على رغم غياب الجناحين الدافئين (الأب والأم). التفاعل بين الجمهور والأطفال نجح في إشاعة دفء عائلي يفيض بالوجدان، خصوصاً مع الأغنية الراقصة «في بحر أزرق مليء حنان، في ضوء يعطي، أنا فرحان كتير، أنا مسرور...»، إلى أن تنتهي الكلمات ب: «حسّيت إني لمست السَّما». فعندها وقف الجمهور، في السياق السمعي والمرئي، متعاطفاً مع الأطفال الذين أنشأوا فضاء مسرحياً زاخراً بالمدلولات التي تحض على العلاقات الحارة بين البشر، وذروتها العائلة. يقود المشروع فريق من التربويين من السويد والأردن ومصر، منهم: مكسيم عياد، هنريك مليس، منى عيسى، سحر خليفة، فتحي عارف وإيمان السحيمات. ويتوجه المشروع في مراحل أخرى، إلى المهنيين والطلاب والمتطوعين من الموسيقيين، والقطاع العام والصناعات الإبداعية والطبية والرياضية، وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام الجديدة. ويشارك 80 شخصاً في أنشطة المشروع، سيتعلمون وسائل جديدة قبل أن ينقلوها إلى ممارستهم المهنية.