كان الحديث في مقال الجمعة الماضية عن تزويج القاصرات وضرورة التفريق بين صورتين مختلفتين، الأولى: تزويج الصغيرة التي لم تبلغ، والمنع من تزويجها قولٌ له وجه قوي، وإن كان قول الجمهور على خلافه، أما الصورة الثانية، فهي تزويج البالغ التي لا تزال قاصراً في نظر القانون، وهي دون 18 عاماً، ولكنها بالغ بتحقق إحدى علامات البلوغ المعروفة، وهذه الصورة لم يقل أحد من الفقهاء على مر التاريخ الإسلامي بأنها قاصر - أي في شأن الزواج - يُستحسن المنع من تزويجها حتى تبلغ 18 عاماً، والنصوص الشرعية دالة على وجوب استئذانها عند التزويج إذا بلغتْ، «البكر تستأذن، والثيب تستأمر» و«إذن البكر أن تسكتْ»، لأن الحياء قد يمنعها من التصريح بالموافقة، فإذا تقدم إلى هذه الفتاة البكر البالغ، ولكنها دون سنّ 18 شابٌ كفءٌ، يراه الولي زوجاً مناسباً لها، فرضيتْ به، فإن رضاها معتبر مع إذن الولي، وعقد النكاح صحيح بنصوص الشرع، ليس لأحد أن يُبطله بعد تحقق شروطه وأركانه بدعوى أنها قاصر! ولا يعرف مصطلح «قاصر» في الشرع إلا في شأن التصرف في المال، كما يدل على ذلك قول الله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم»، فتأمل كيف جعل الشرع مرتبة بلوغ النكاح غير مرتبة بلوغ الرشد في المال، ولذا لم يجعل الفقهاء في شأن النكاح شخصاً قاصراً وآخر غير قاصر، بل الوصف المؤثر عندهم في صحة عقد النكاح، وجعل الرضا معه غير معتبر هو وصف الصغر. وأما مصطلح القاصر، فمنحصر في التصرف في المال. ولذا فإن في قضايا القتل العمد لا يقام حد القصاص على القاتل حتى يبلغ القُصر، لا حتى يبلغوا سنّ 18 عاماً، فإذا بلغ القاصر بإحدى علامات البلوغ المعتبرة اعتُبر رأيه في المطالبة بالقصاص والعفو عن القاتل. من المفارقة أن من ينكر التوسع في الأخذ بقاعدة سد الذرائع، يُعمِلون هذه القاعدة بتوسع أكبر لمنع تزويج كل من هي دون 18 عاماً، حتى ولو كانت بالغاً، والخاطب شاباً كُفءً، سداً لذريعة تزويج الصغيرة من شيخٍ كبير، واستغلالهن في صفقات تجارية! لنسأل بتجرد: كم نسبة تزويج الصغيرات من كبار السنّ، مما يحصل من تزويج الفتيات اللاتي دون سنّ 18 عاماً في مجتمعنا؟! لا أشكّ أنها نسبة ضئيلة، لولا الإثارة الإعلامية المقصودة، سنجد أن هذه المبالغة هنا في إعمال سد الذرائع أشد من المبالغة في سد ذرائع كل اختلاط، من أجل بعض صوره المفضية للفساد. لماذا يجعلون المبالغة في إعمال قاعدة سد الذرائع في شأن الاختلاط تشدداً وتطرفاً وتحريماً لما أحلّ الله، ثم يرونها في المنع من تزويج دون 18 عاماً من البالغات، ولو من شباب أكفاء عين العقل ورعاية لحق الفتاة وصيانةً لها؟! إذا كان تزويج فتاة صغيرة في سنّ التاسعة أو العاشرة من شيخ هرم كبير أمراً مستقبحاً، يبدو فيها الاستغلال والتكسب في صورة فجة مقززة، فلماذا لا ينحصر المنع في حدودها من دون إعمال قاعدة سد الذرائع في غير موردها المشروع؟! إن المسؤولية كبيرة على ولي المرأة، ألا يقبل لها إلا الكفء، ولا يجوز له أن يرغمها على نكاح من لا ترغبه، حتى ولو كان الولي أباها، وإن أرغمها فالعقد باطل، لأن صحته موقوفة على رضاها، حتى ولو كانت بِكراً على القول الراجح. * كاتب سعودي. [email protected] samialmajed@