في مسألة تزويج القاصرات يتداخل مصطلحان، أحدهما شرعي، والآخر قانوني، فأما الشرعي فهو (الصغر) ويقصد به مرحلة ما دون البلوغ، وأما القانوني فهو مصطلح (القاصر)، ويقصد به ما قبل سن الرشد، ويختلف القانونيون في تحديده، والأشهر تحديده بال18سنة، فكل من لم يبلغ هذه السن فهو قاصر وإن كان بالغاً. ولذا فلا بد عند مناقشة تزويج القاصرات من أن يُفرق بين صورتين مختلفتين، الأولى: تزويج الصغيرة التي لم تبلغ. والصورة الثانية: تزويج البالغ التي لا تزال قاصراً في نظر القانون. وهما صورتان مختلفتان، لأن الشرع يفرق بين الصغيرة والبالغ في تزويجهما واعتبار إذنهما، وإن كان القانون يسوي بينهما باعتبار أن كل من هو دون السن 18، أو 16 - كما في بعض القوانين - فهو صغير، ولا اعتبار في القانون لتحقق بلوغ الصغيرة بإحدى علاماته المعروفة؛ من إنبات شعر العانة، أو إنزال المني، أو الحيض، أو الحمل، أو بلوغ خمس عشرة سنة. ففي الصورة الأولى ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة تزويج الصغيرة من دون إذنها؛ لأنه ليس لها إذن معتبر بسبب صغرها، إلا أن تصحيحهم للعقد عليها ليس على إطلاقه كما يظنه كثيرون، بل المسألة عندهم مشروطة بشرطين، الأول: أن يتولى تزويجها أبوها، فإن كانت يتيمة، أو سقطت ولاية أبيها وانتقلت إلى غيره فلا يصح تزويجها حتى تبلغ. الثاني: أن يزوِّجها من كفء، فلو زوجها من غير كفء وظهر ألا مصلحة في تزويجها إياه فلا يصح العقد. وهم - وإن أباحوا ذلك وصححوا العقد - إلا انهم يمنعون الزوج من الدخول عليها حتى تبلغ سناً تطيق فيه الوطء، وبعضهم يحده بالتسع؛ لكن ترك تحديده أولى اعتباراً لاختلاف نضج الفتاة باختلاف البيئات. ثم جعلوا للفتاة الحقَّ في فسخ العقد متى ما بلغتْ ولم ترض بذلك الزوج. فإذا أخذنا في الاعتبار ما نص عليه الفقهاء من ضوابطٍ لتصحيح نكاح الصغيرة تبين أن ما أثير في وسائل الإعلام من زيجاتٍ جُعلتْ فيها البنتُ الصغيرة ضحيةً لخلافاتٍ أو أطماعٍ لا يصح أن يُحسب على من أجاز تزويج الأب لابنته الصغيرة؛ لأن هذه الزيجات لم تتحقق فيها ما نصوا عليه من شروطٍ لجواز ذلك... وللحديث بقية. * أكاديمي في الشريعة.