ترعرع الثمانيني المغربي أحمد لْمجرد في كنف عائلة توارثت فن الخياطة التقليدية في مدينة مراكش. احترف والده منذ العام 1900 خياطة الجلباب المغربي، لكن طموحه جعله متألقاً في خياطة ثوب المحامين الأسود. علاقة لمجرد مع الإبرة والخيط حميمة وعتيقة، منذ كان في الخامسة من عمره يساعد والده في مهمات صغيرة. «يومها كانت الخياطة مزدهرة والتنافس حاداً بين أمهر الخياطين، خصوصاً المغاربة اليهود منهم الذين تمركزوا في مراكش ملاذ الحرفيين الباحثين عن أجوَد المواد الأولية من خيوط حرير وأثواب أصيلة»، يقول لمجرد. اختار له محلاً وسط الرباط، بعدما كان يستقبل طلبات زبنائه في بيته الكائن في ضواحي العاصمة. خبر آليات الحرفة منذ عام 1957 بين مدينتي مراكشوالدارالبيضاء، وصمد في زمن انتشار شركات النسيج والخياطة الجاهزة. في العام 1966 نفّذ أول ثوب محاماة للمحامي عبد الرحيم بنبركة الذي كان آنذاك نقيباً لهيئة المحامين في الرباط. وكان زبوناً مميزاً للبذلة العصرية، وذات يوم سأله: «هل بإمكانك أن تخيط لي ثوباً أسود لأرتديه في المحكمة؟ وما كان من الخياط النجيب المتحمس إلا الرد بالايجاب: «أعطني نموذجاً لأراه، ثم أخيط أفضل منه وبعدها تحكم على موهبتي». التحدي ضاعف نشاط الخياط، فحصر تفكيره وتدرّب كثيراً حتى اكتشف السر الأصعب في خياطة الثوب الذي يرتديه من يدافعون عن الحق. فنجح في الاختبار وكان «الفضل في ذلك لسي عبد الرحيم» كما يقول. وفيما كان اليهود المغاربة يخطفون الشهرة في خياطة هذا الثوب العريق في الدارالبيضاء، حجز لمجرد مكانة مرموقة له في السوق من خلال تميّزه ومعاملته الطيبة للزبائن. ويتنوع زبائن لمجرد بين عائلات رباطية معروفة مثل بناني، وعاشور، والسمار، عدا عن رجال أعمال وفنانين تستهويهم خياطته العصرية. ويذكر منهم الفنان عبد الهادي بلخياط الذي خاط له بذلة رسمية في العام 1963 لمناسبة إحيائه حفلة مهمة، إضافة إلى فنانين آخرين من بينهم إسماعيل أحمد، والغرباوي، والشنبيطي. ويفتخر صاحب الأنامل الفنية بعائشة بنمسعود وهي أول محامية مارست مهنة المحاماة في المغرب في العام 1966، وأول صحافية غطت نشاطات أول برلمان مغربي، ويعتزّ بأن زوجها كان يرتدي بذلاته العصرية من تحت يديه. يروي لمجرد أنه «في مرحلة الشباب كانت البذلة العصرية الأنيقة والمصممة بدقة فنية متناهية، مفتاح الوسامة. لذا كان المغربيون يهتمون بانتقائها وانتقاء الخياط الذي سينفّذها، ولو على حساب جيوبهم. فأول بذلة خيطها بنسيج إنكليزي فخم، بعتها ب 350 درهماً مغربياً». ومن هنا كرّت المسبحة ليصبح لْمجرد من أشهر خياطي البذلة السوداء المطلوبة في مختلف المناطق المغربية، وخصوصاً من الشركات الهيئات المهنية «بحثاً عن بذلة تضمن التناغم الرمزي». ويتحسّر الرجل النحيف النشيط، على تلك الأيام، «حين كان للبذّة مكانة مرموقة على عكس ما يجري اليوم حيث تُكتسح السوق بكل ما هو صيني تجاري ليس نكهة له ولا طعم»، كما يشير. يذكر أن البذلة المهنية للمحامي تتألف من رداء أسود مع ياقة وكتفية وربطة عنق من الحرير الأبيض، يصل ثمن خياطتها بحسب نوع الثوب إلى ألف درهم مغربي. فالبذلة الرسمية للمحامي بحسب لْمجرد «تساهم في الهالة والعظمة التي يجب أن تحيط بالقضاء، وهي خير دليل على المساواة باعتبار أن بذلة النقيب لا تختلف عن بذلة آخر مسجل في لائحة التدرّج». يحرص لمجرد على متابعة أحدث اتجاهات الخياطة من خلال الراديو والمجلات الدولية، ليكون مطلعاً ورهن طلبات الزبائن المتجددة. فاعتزازه ببصمته الخاصة في هذا الإرث الفني، يزيده إصراراً على التشبث بحرفة كان له الفضل في نقلها بأمانة الى عدد كبير من الشباب «أفتخر بأني درّبتهم». وعن توريثه هذا الفن لإبنه البكر، يقول: «لقد أعطيته أسرار المهنة وتقنياتها الحرفية، لكني دفعته الى الاستقلال بنفسه وإنشاء محل خاص به، ليتحمّل مسؤوليته ويكون له مكان مرموق في السوق». ويضيف: «إذا كان الإتقان والجودة شعاره في العمل، فمن المؤكد أنه سيكسب ثقة الزبائن».