تمتلئ أعمال المصري الشاب رامي دوزي المعروضة حالياً في قاعة «مشربية» في القاهرة بعنوان «مرطبات علياء – جنة فواكه شنب الحاج»، بالألوان والكائنات الخرافية والخربشات. ينبئ كل تفصيل فيها بحكاية، وتحدد المساحات الملونة ملامح تجربة بصرية ثرية عاشها الفنان. علياء التي يشير إليها عنوان المعرض هي بنت صغيرة لا تتعدى السنوات الخمس، تعيش في أحد الأحياء الشعبية على أطراف القاهرة. وهي ابنة حارس عقار يعيش ويعمل في الحي نفسه. تمضي علياء يومها في الشارع مثل كثير من أطفال الحي. سكان الحي يعرفونها جيداً، وهي أيضاً تعرف الجميع. على رغم صغر سنّها، تتمتع بشخصية قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها ضد اعتداءات الأطفال في الحي. شخصية علياء هذه كانت كفيلة بأن تثير خيال دوزي خلال الشهور التي أمضاها في ذلك الحيّ الشعبي يبحث وينقب ويراقب ويرصد العلاقات الإنسانية بين سكانه، بعين فنان ذي خيال واسع، وقدرة على إدراك الأشياء المخبّأة خلف المظهر الخارجي. حيّ مكتظ بالسكان، لكنه مليء أيضاً بمئات الإشارات والعلامات التي كانت كفيلة بشحذ خيال دوزي العجيب المليء ب «الشخبطات» والحكايات والقدرة على نسج فلسفته الخاصة التي ينظر من خلالها إلى العالم من حوله. علياء هي بطلة الحكايات التي يرويها دوزي في أعماله المعروضة، على رغم ظهورها المتواضع بين المساحات الملونة لعملين أو ثلاثة من الأعمال المعروضة. لكن حضورها اللافت يتعدى ذلك الشكل الظاهري لطفلة صغيرة حافية القدمين تجوب الحارات والشوارع المحيطة وتشتبك في الحديث مع الجميع كما يقول الفنان، فهي التي أطلقت الشرارة الأولى لذلك التداعي المستمر للخيالات والكائنات والعناصر التي تمتلئ بها عشرات الرسوم والأعمال التي أنجزها الفنان خلال الأشهر الماضية. كانت الأشهر الستة التي أمضاها دوزي في هذا الحي الشعبي كافية كي تُشكل معالم تجربته البصرية التي يعرضها حالياً. ويتعلق العنوان الذي اختاره الفنان لمعرضه بتلك الصورة الساخرة التي يرويها دوزي عن صاحب أحد محال العصائر الموجود في الحي. سرد الحكاية وتأثيرها في مخيلته وانعكاسها في النهاية في شكل عمل فني مُغلف بالمرح والسخرية تمثل نموذجاً للطريقة التي تعامل بها الفنان مع الكثير من تلك الصور البصرية والحكايات التي عايشها. في لوحات دوزي تحتل الكلمة المكتوبة مكانها الطبيعي داخل مساحة العمل بالمقدار نفسه الذي تحتله في الحياة اليومية للناس في ذلك الحي. كلمات تحمل الكثير من الإسقاطات وعلامات الاستفهام التي لا يجد لها الفنان تفسيراً في أكثر الأحيان، كما يقول. غير أنه يتحايل على الأمر بابتكار هذه الصور البصرية المثيرة التي ينسجها من وحي خياله ليأخذك في رحلة شائقة مع العشرات من الشخصيات والكائنات الخرافية المرسومة. هذه الشخصيات والكائنات التي عرفت طريقها إلى مساحة الرسم كانعكاس لموقف ما عايشه الفنان، أو كلمة قرأها ذات يوم على واجهة أحد المحال، أو حتى جُملة مكتوبة على أحد «التكاتك»، هذه المركبات الصغيرة التي أقحمت نفسها على المشهد المصري قبل سنوات وأضحت وسيلة المواصلات الرائجة في الكثير من الأحياء الشعبية المصرية، لقد أصبحت هي الأخرى مع الوقت جزءاً من هذا المشهد العبثي، ووسيلة رائجة للتعبير عن الاقتناعات الشخصية لأصحابها في شكل كلمات وجمل مكتوبة ذات مغزى. كل ما كان يفعله دوزي أثناء وجوده في هذا الحي كان المشاهدة والاستماع. فهو يرصد الأشياء كما يقول ثم يعيد صَوغها لينشئ بها عالمه الخاص، عالم تسكنه الكائنات الخرافية والدمى والحشرات المتوحشة، والبشر الغريبو الأطوار. فثمة روح ساخرة تسيطر على معظم الأعمال المعروضة، روح ساخرة استمدت حدتها في مخيلته من العلاقات القريبة لسكان هذا الحي والمشاعر المكثفة التي تحكم الحياة فيه. رامي دوزي من مواليد عام 1982، تمتد اهتماماته الفنية من الرسم إلى الفوتوغرافيا، ولديه اهتمام خاص برصد المظاهر الحياتية والصور البصرية للشارع. شارك في عدد من المعارض الجماعية منذ تخرجه في كلية التربية الفنية عام 2008، كما عرض أعماله منفرداً في المركز الثقافي الفرنسي ومركز الجزيرة في القاهرة.