اعتبر الخبير الاقتصادي عضو جمعية الاقتصاد السعودية الدكتور عبدالله القويز، أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتعرض لضغوط كبيرة لتغطية جزء من هذه الحاجات التمويلية للدول العربية، التي تشهد حراكاً سياسياً، مؤكداً في الوقت ذاته أهمية أن يشجع الحراك السياسي الحالي في المنطقة دول الخليج على الاستمرار في برامجها للإصلاح السياسي، مشيراً إلى أن عُمان أثبتت عدم حتمية أن أي إصلاح سيمهد الطريق للمطالبة بمزيد من التغيير، إذ ساد الاستقرار عُمان عندما نفذت إصلاحات سياسية حقيقية. وقال القويز في محاضرة ألقاها بكلية إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود في الرياض أمس، إنه «لا يجب أن يثني هذا الحراك دول المجلس عن المراجعة المستمرة لسياساتها الاقتصادية، بهدف تحسينها وجعلها أكثر ملاءمة للمواطنين مع تحقيق أفضل الأداء، إذ أثبتت الدراسات أن أكثر من يستفيد من الأسعار المشوهة الحالية للطاقة والخدمات الأخرى، ذوو الدخول العالية». وأكد أن الحراك السياسي سيكون له تأثير مباشر في اقتصادات دول المجلس، إضافة إلى الالتزامات المالية سواء كانت ضمن الموازنة أو خارجها، وهناك تبعات اقتصادية سلبية أخرى مباشرة على دول المجلس، منها أن الحكومات ستؤجل إعادة النظر في الأسعار المحلية للطاقة من نفط وغاز وكهرباء وأسعار الخدمات الأخرى، مثل المياه وأسعار تذاكر السفر، ما سيزيد من معدلات استهلاكها واستمرار التشوهات السعرية الحالية، وتأجيل أي توجّه نحو التخصيص، ما سيؤخر أي جهود لتحسين الإدارة وكفاءة الأداء لبعض الخدمات والمرافق الاقتصادية، ويحرم خزينة الدولة من أية مداخيل إضافية نتيجة التخصيص. وأضاف: «القطاع الخاص المحلي والدولي يبدو غير مستعد للدخول باستثمارات جديدة في الدول العربية، التي تشهد حراكاً سياسياً، واقتصاد هذه الدول يحتاج إلى مصادر تمويل إقليمية ودولية، تراوح بين 50 و 100 بليون دولار سنوياً، «لذا فإن دول مجلس التعاون ستتعرض لضغوط كبيرة ومن مختلف الجهات، لتغطية جزء من هذه الحاجات التمويلية، من دون وضوح في الرؤية حول مدى قدرة اقتصادات هذه الدول على التحسن، ومن ثمّ عدم تحديد فترة زمنية لاستمرار هذه الالتزامات». واقترح أن يتمّ صرف غالبية المساعدات، التي ستلتزم بها دول المجلس تجاه الدول العربية عن طريق مؤسسات التمويل العربية والدولية، بما في ذلك أية محاولات لتحريك القطاع الخاص بمساعدة الشركات العربية المشتركة، بعد أن أقرّت القمة الاقتصادية العربية الثالثة في الرياض زيادة رؤوس أموال هذه المؤسسات بنسبة 50 في المئة، ولا بد أن يسبق ذلك إعادة النظر في طرق إدارة مؤسسات التمويل، وكذلك الشركات المشتركة، ووضع خطط عملية لانطلاقها من جديد». وأضاف القويز: «التزام دول المجلس تجاه الاقتصاد العالمي تقتضي توفير ما تحتاجه سوق النفط والغاز، وهذا يتطلب الاستمرار بالاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة في كل الأحوال، ما يشكل أعباء مالية جديدة على دول المجلس للاستمرار بزيادة طاقاتها الإنتاجية، وزيادة تكاليف صيانة الحقول ومنشآت النقل وخطوط الإنتاج والتخزين والمنصات ومعامل التكرير، في الوقت الذي لا توجد أية جهة تضمن وصول مستويات الطلب على النفط والغاز إلى حدود تمكّن الدول المنتجة من استرداد استثماراتها في هذه التجهيزات، نظراً إلى نمو المتوقع لإنتاج النفط والغاز من مصادر جديدة». وأشار إلى أن دول مجلس التعاون مدعوة لأخذ ذلك في عين الاعتبار عند تقدير حاجاتها من السيولة في كل الأحوال، بما في ذلك الأعوام التي قد تتعرض فيها السوق النفطية لتباطؤ في الطلب ومن ثم انخفاض الأسعار. وذكر القويز في محاضرته، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال 7 أعوام (2000 - 2006)، سجل نمواً كان متوسطه 5.7 في المئة، واستمر المعدل نفسه تقريباً خلال الفترة (2007 - 2010) فيما عدا 2009 الذي سجل نمواً سالباً نسبته -0.2 في المئة، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتشير الأرقام إلى أن معدل النمو شهد قفزة كبيرة في عام 2011، وهي السنة الأولى للحراك السياسي، ثم عاد إلى المتوسط السابق في عام 2012، ويتوقع أن يكون أقل من ذلك في عام 2013، بفعل توقعات انخفاض الطلب على النفط وثم أسعاره. وقال إن متوسط الفائض في الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2000 - 2006 بلغ ما نسبته 7.4 في المئة، ثم قفز إلى ضعف هذه النسبة تقريباً في السنتين 2007 و 2008، إلا أنه أصبح سالباً في السنة الثالثة 2009، بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على السوق النفطية، كما انخفض هذا الفائض في السنة الرابعة 2010 إلى ما نسبته 2.5 في المئة، إلا أنه قفز إلى قرابة 6 في المئة في أعوام الحراك السياسي 2011م - 2013.