في ظل تعقيدات العصر الجديد وتطوراته، لم يعد مكان ركن الراحلة عبارة عن «ربط عنان»، إذ تطور المفهوم وانعكس واقعاً مكلفاً بتطلبه إلى حيز من الفراغ لا تتجاوز مساحته غالباً 4.5 متر مربع، بشكل مستطيل للسيارة الواحدة، وتبدأ بعد مرحلة الوصول للمكان رحلة البحث عن مواقف تكمن ديناميكياً في الدوران حول المساحة الكبيرة الفارغة من المباني والمليئة بالسيارات ب «دورة» تتبعها «دورة» أخرى (أي الدوران حول الموقع أكثر من مرة، وتسمى شعبياً ب «لفة»)، أملاً في وجود ثغرة أو سيارة مودعة ليستقر مكانها. مواقف طولية وعرضية ومائلة، تميزها خطوطها البيضاء تكحل سواد الأسفلت، أو تتزين بندبات «عيون القطط» المتلاصقة، ولوحات ارتفعت أعناقها عالياً، لتحدد نوع الموقف الذي غالباً ما تبحث العيون عن مكان فارغ لملئه بالمركبة، والنجاة من دوران «المواقف» الذي قد يدوم طويلاً في فترات الازدحام والذروة، أو لا يدوم في الحضور الباكر، أو ابتسام الحظ بلمح «غمزة» لضوء الرجوع للخلف، والظفر بموقف في وقت وجيز، وقد يتجاوز السائق «لعنة الموقف»، واستغلال جسد الرصيف وانتهاك حرمته بالوقوف عليه. انتهاك الحرمات لم يقف عند الأرصفة فحسب، بل تجاوز ذلك ليصل إلى مواقف «ذوي الاحتياجات الخاصة» التي يستغلها البعض للوقوف فيها ليحرموا أصحابها من حق الاستفادة منها. فيما تعمد بعض المحال التجارية برصف المواقف التابعة لها، وتزييننها كنوع من أنواع الخدمة التي تقدمها لزبائنها، واضعة لوحة متزينة ب «الموقف خاص لعملاء المحل»، إلا أن هذه القاعدة غالباً ما تلقى عدم الاحترام، في ظل ظروف الازدحام في المحيط بها. ويظهر مدى تفنن السعوديين في الوقوف وحضورهم باكراً إلى أعمالهم من عدمه جلياً في طريقة ركن مركباتهم أمام أعمالهم، فالوقوف الصحيح بين الخطوط الوهمية البيضاء، أو الوقوف للوراء بحركة «الريوس» دلالة على الحضور الباكر وارتياح الأعصاب، فيما يعد الوقوف المائل وغير المبالي بالخطوط، أو الوقوف بعيداً إشارة على التأخر عن الموعد أو على المزاج المعكر. وتتجلى الأنانية في أبلغ صورها بحسب تقدير المواطن عبدالكريم سعود من سكان جدة، عند وقوف إحدى المركبات في موقف قد يستوعب مركبتين ليحطم أحلام الكثيرين بإيجاد موقف في أوج الحاجة لها. ويقول سعود: «أبلغ صور النذالة التي قد أواجهها كل صباح أثناء قدومي لعملي تتمثل في مشاهدتي لمركبة تحتل موقفاً يسع لمركبتين، وأنا في أمس الحاجة إلى وجود موقف ينقذني من شبح التأخر عن التوقيع الصباحي، وحضور الاجتماع الصباحي في العمل».