يتوجه الأردنيون غداً إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية هي الأولى التي تجرى عقب اندلاع الثورات العربية، وسط مقاطعة الإسلاميين والليبراليين وعدد كبير من القوى المدنية المعارضة. وفيما تعوّل الدولة الأردنية كثيراً على نتائج هذه الانتخابات وتسعى إلى جعلها نقطة انطلاق نحو الإصلاح الشامل ومحاربة الفساد، يرى مراقبون ومحللون سياسيون أنها «لن تأتي بجديد»، وأن خريطة البرلمان المقبل «ستكون نسخة مكررة عن خريطة البرلمان السابق». ويضيف هؤلاء أن المنافسة على مقاعد البرلمان ال150 ستكون محصورة بالعشائر والمحافظين (القريبين من السلطة)، فيما سيتقلص التمثيل النيابي داخل المدن الكبيرة التي يشكل الفلسطينيون غالبية سكانها وتعتبر أحد أهم معاقل جماعة «الإخوان المسلمين»، لمصلحة المناطق الريفية ذات التركيبة القبلية. ووفق شخصيات يسارية فاعلة، فإن نسب المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب اليسارية والقومية غير المقاطعة «ستكشف ضعف هذه الكيانات»، وسيحتفظ البرلمان المقبل ب «كوتا خاصة بالقوى اليسارية» على غرار البرلمان السابق. وفي هذا الصدد، يقول الناشط اليساري فاخر دعاس ل «الحياة» إن «الأحزاب المحسوبة على المعارضة اليسارية لن تحصد أكثر من مقعد واحد على أقصى تقدير بسبب ضعف المقومات المادية التي تمتلكها»، معتبراً أن قانون الانتخاب الحالي «يساهم إلى حد كبير بإضعاف فرص الحزبيين لمصلحة القوى العشائرية والمستقلين». وكانت الأحزاب اليسارية والقومية المشاركة، وعددها 5، حازت مقعداً واحداً في البرلمان الماضي، لكنها عبرت غير مرة عن أملها في زيادة حصتها في البرلمان الجديد. ويقول مدير مركز «القدس للأبحاث والدراسات السياسية» عريب الرنتاوي ل «الحياة» إن «البرلمان المقبل لن يختلف في جوهره عن البرلمانات السابقة، خصوصاً أن أكثر من ثلثي مقاعد المجلس سينتخب وفقاً لقانون الصوت الواحد، كما أن الرهان على القوائم الانتخابية لن يجدي نفعاً، خصوصاً أن بعض التقديرات الرسمية يشير إلى أن أكبر قائمة انتخابية ستحصد في أحسن الأحوال ما بين 3 - 5 مقاعد». ويضيف: «علينا أن نتوقع نجاح عدد كبير من رموز البرلمان السابق. أعتقد أن الكيان التشريعي الجديد سيضم نواب خدمات، وعشائر، وحمائل». لكن الناطق باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة اعتبر أن «البرلمان المقبل سيقدم أداء قوياً وأدواراًً نموذجية». وقال ل «الحياة» إن «هذا البرلمان يأتي وسط ظروف سياسية بالغة الدقة، إلى جانب نشاط ملحوظ لحركات شعبية تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد. هذه العوامل مجتمعة ستدفعه (البرلمان) إلى تقديم أفضل ما لديه». وأردفف: «علينا أن نكون منصفين، إذ إن أداء البرلمان السابق لم يكن سلبياً بالمطلق، لكن علينا أيضاً أن نعترف بأن البعد الاجتماعي ما زال هو البعد الغالب لدى المجتمع الأردني، وأن الحياة الحزبية ما زالت تعاني الضعف ولم تنضج بعد». وكان قانون الانتخاب الحالي عدّل في تموز (يوليو) الماضي ليضم البرلمان المقبل 150 مقعداً بدلاً من 120، 27 منها لقائمة وطنية أقرت للمرة الأولى، و15 للكوتا النسائية، و108 مقاعد فردية. وغير بعيد من شكل البرلمان المقبل وأجواء الانتخابات، أثار شريط فيديو «فضائحي» سرّب على نحو مفاجئ صباح أمس لبعض النواب السابقين والمرشحين الحاليين، جدلاً واسعاً في عمان، كما أدى إلى موجة «غضب» عارمة داخل إحدى القبائل الأردنية، مع بدء العد التنازلي ليوم الاقتراع. وأظهر الفيديو جلسة خاصة ضمت نخبة من أركان البرلمان السابق فيما كان بعضهم يتناول الكحول، بينما ظهر صوت رئيس البرلمان السابق وأحد أبرز المرشحين على الانتخابات الحالية عبدالكريم الدغمي وهو يكيل شتائم بحق نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية السابق نايف القاضي، ما خلف موجة «غضب» عارمة داخل قبيلة الأخير التي تعتبر من كبرى القبائل الأردنية، في حين دعا بعض وجهائها إلى ضرورة «ضبط النفس» عشية الانتخابات. كما أظهر التسجيل المرشح الحالي للانتخابات، النائب السابق عاطف الطراونة، إلى جانب النائب السابق ممدوح العبادي، ووزير الداخلية السابق سعد هايل السرور. وفيما نفى الدغمي صحة التسجيل واعتبره «مفبركاً»، أقر العبادي بصدقية الفيديو الذي انتشر سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وحمل اسم «أكبر فضيحة لنواب الأردن ليلة حل البرلمان 2012». وفيما لم تعرف بعد الجهة التي سربت الفيديو المذكور، يسعى بعض المرشحين المتهمين باستخدام المال السياسي والموقوفين لدى السلطات الأردنية، إلى إدارة حملاتهم الدعائية من خلف القضبان عبر الاستعانة بوسطاء و «سماسرة» وشخصيات قريبة منهم، وذلك قبل 24 ساعة فقط عن موعد الاقتراع. ويرى خبراء في الشأن الانتخابي أن بعض من أوقفوا أو تم التحقيق معهم بتهم استغلال حاجة المواطنين، ربما يحالفهم الحظ، وربما تساهم إدانة بعضهم في أن يفقد البرلمان المقبل نصابه القانوني. وحتى يوم أمس، كان 4 مرشحين يقبعون خلف قضبان سجن الجويدة الشهير (جنوب عمان) بشبهة ارتكاب «جرائم جنائية» يعاقب عليها القانون.