مع إسدال الستار على موسم بيانات الأرباح والخسائر للفصل الثاني من هذه السنة، بدت المصارف الأميركية، بما حققته من أرباح مفاجئة وإن متواضعة، كأنها خرجت أو أقله شارفت على الخروج من أزمة المال المدمرة التي تسببت بها، لكن السوق وحتى الحكومة ليستا واثقتين من أن النهاية باتت في متناول اليد، لكابوس عاث فساداً في قطاعات مصارف وبورصات واقتصادات أميركا والعالم طوال الشهور ال18 الأخيرة.فعندما طرح على وزير الخزانة تيموثي غايتنر التعليق على أرباح الفصل الثاني عزف الأخير نغمة متفائلة، مشدداً على أن رزمة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها إدارة الرئيس باراك أوباما «نجحت في حماية قطاع المال من الانهيار واستعادة ثقة المستثمر». أما رئيس لجنة الشؤون المصرفية في مجلس الشيوخ كريستوفر دوود فاختار أن يدير ظهره للتفاؤل، ليطلق أحد أشد التحذيرات التي صدرت عن مشرّع منذ بداية الأزمة. واعتمد السيناتور دوود توقعات السوق لتحذير جلسة استماع عقدتها لجنته الأربعاء الماضي من أن مئات المصارف الصغيرة والمتوسطة تواجه احتمال تكبد خسائر تتجاوز 100 بليون دولار نهاية 2010. وخلال أقل من أسبوع (الثلثاء الماضي) أصدرت لجنة رقابة برنامج الأصول المتعثرة في الكونغرس تقريرها الشهري رافعة تقديرات هذه الخسائر الفادحة، التي تتركز في الرهون العقارية السكنية والتجارية، إلى 183 بليون دولار. وتلعب المصارف الصغيرة والمتوسطة، التي تراوح أصولها بين 600 مليون و100 بليون دولار وتشكل الغالبية العظمى بما يزيد على 8 آلاف مصرف يضمها القطاع المصرفي، دوراً حيوياً في الاقتصاد، وتلبي 50 في المئة من احتياجاته التمويلية، لكن ما حيّر المحللين، الأعداد المتزايدة من الانهيارات التي تشهدها هذه المصارف، على رغم أنها دخلت الأزمة أكثر استعداداً لتحمل تبعاتها من المصارف العملاقة، بحسب خبراء صندوق النقد. وأعلنت «مؤسسة ضمان الودائع» الجمعة ازدياد المصارف الصغيرة والمتوسطة التي أخفقت منذ بداية السنة إلى 72 مصرفاً، ليقفز عدد الانهيارات منذ انفجار فقاعة الرهون العقارية الرديئة منتصف 2007 إلى 100 مصرف بخسائر إجمالية بلغت 35 بليون دولار. ولا تستبعد توقعات متشائمة وأقل تشاؤماً من أن تؤدي الخسائر الإضافية المتوقعة إلى رفع عدد المصارف المفلسة بين 400 و1500 في حد أقصى . لكن خبراء صندوق النقد توصلوا في حزمة التقارير التي أعدوها عن قطاع المال والاقتصاد الأميركيين نهاية الشهر الماضي إلى نتائج حاسمة تفيد بأن مأساة المصارف الصغيرة والمتوسطة لا تعود إلى أن خسائرها أكثر أو أقل فداحة من غيرها، وإنما لأن استراتيجياتها الاستثمارية (الاقراضية) لا تختلف اختلافاً كلياً فحسب، بل استخدمتها الحكومة مبرراً لمحاباة المصارف الكبرى في خططها الإنقاذية تحت شعار أنها «أكبر من أن تخفق». وتمول المصارف الصغيرة والمتوسط نشاطها الإقراضي من مصادرها الذاتية بنسبة تراوح بين 35 و49 في المئة، أي أنها تغامر بودائع عملائها، ويصير لزاماً عليها أن تتحمل مسؤولية الفشل، بينما تنحصر نسبة اعتماد المصارف ال 19 الكبرى على الودائع في نطاق يبدأ عند 11 في المئة لدى الخمسة الكبار وينتهي عند 21 في المئة بالنسبة للباقين، أي أن اخفاقات هذه الفئة لا تُحتمل بسبب ضخامة تبعاتها على الوسط الاستثماري. وأكد مسؤول كبير في وزارة الخزانة هيربرت آليسون، أن البرامج العشرة التي أطلقتها الوزارة لمنع انهيار قطاع المال وبلغ حجم اعتماداتها للآن 643 بليون دولار، لم تستثن أياً من المصارف المتعثرة بغض النظر عن حجمها، موضحاً أن الوزارة استثمرت 237 بليون دولار لدعم رؤوس أموال 657 مصرفاً من بينها 300 من المصارف الصغيرة. إلا أن تقارير صندوق النقد تشير إلى أن المصارف الخمسة الكبرى (جي بي مورغان وسيتي غروب وبنك أوف أميركا وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي) انفردت حتى نهاية أيار (مايو) الماضي بنحو 64 في المئة من الاستثمارات الحكومية (154 بليون دولار) على رغم أن أصولها لا تزيد على 50 في المئة من أصول القطاع المصرفي. وحصلت المصارف ال 17 الأخرى في نادي العمالقة على 23 في المئة من هذه الاستثمارات بينما بلغت حصة المصارف الصغيرة والمتوسطة 13 في المئة فقط (29.8 بليون دولار). ويعطي «برنامج ضمان السيولة الموقت» صورة أوضح لأسرار استمرار مسلسل انهيار المصارف الصغيرة والمتوسطة إذ بلغت حصة الأخيرة 3 في المئة فقط (8.5 بليون دولار) من الائتمانات التي أصدرتها المصارف الأميركية بضمانات حكومية حتى نهاية آذار (مارس) الماضي، في حين بلغ نصيب الخمسة الكبار 59 في المئة (155 بليوناً) والعمالقة الباقين 38 في المئة (99 بليوناً).