طيلة الأيام الماضية، لم يهدأ هدير المروحيات ومحركات الطائرات العسكرية العملاقة المخصصة لنقل الجنود والعتاد الحربي في مطار باماكو، عاصمة مالي، البلد الفقير غرب افريقيا الذي يشهد فصلاً جديداً من فصول المواجهة المستمرة منذ سنوات بين المجتمع الدولي وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» والجماعات الإسلامية المتحالفة معه. حركة هبوط الطائرات واقلاعها لا تتوقف على مدار الساعة، وفق موظف في المطار الذي يحتوي مدرجاً واحداً وتستخدم القوات الفرنسية جزءاً منه كقاعدة جوية لقواتها، منذ اطلاق عملية «القط المتوحش» لوقف تقدم المقاتلين الاسلاميين نحو العاصمة باماكو وباقي مدن جنوب مالي وقراها. وغالباً، تفرغ هذه الطائرات حمولتها من جنود أو عتاد حربي كي تعود أدراجها مباشرة، لأن ارض المطار تستوعب بقاء عدد محدود من الطائرات. وفيما ارتفع عدد القوات الفرنسية في مالي حتى أمس الى 1800، وصلت قوات من توغو ونيجيريا للانضمام الى الوحدة الافريقية في مالي التي سيبلغ عدد عناصرها 3 آلاف خلال اسبوع. وقال الجنرال ابو بكر صديق سعيد، قائد القوات النيجيرية في مالي ل «الحياة» خلال استقباله دفعة جديدة من الجنود النيجيريين تضم مئة عنصر: «اننا سعداء بمساعدة بلد شقيق في الحرب على الارهاب. نضع أنفسنا في تصرف شعب مالي، وسنقاتل حتى يستعيد استقراره وسيادته على كل أراضيه». ونقلت طائرات عسكرية كبيرة من طراز «انتونوف» و «تران زال» و «سي 13» الجنود الأفارقة إلى مالي. كما تستخدم هذه الطائرت في نقل معدات عسكرية ثقيلة من مركبات مدرعة ودبابات، اضافة إلى اسلحة وذخيرة. ويتم جلب جزء من العتاد الحربي من بلدان مجاورة لمالي توجد في عواصمها قواعد عسكرية فرنسية مثل نيامي وابيدجان ودكار. وكانت حملة القصف الجوي التي شاركت فيها مقاتلات «ميراج» و «رافال» الفرنسيتين نجحت في وقف تقدم مقاتلي تحالف الجماعات المتشددة نحو الجنوب، كما سمحت وفق مصادر عسكرية مالية وفرنسية باستعادة السيطرة على بلدتي «كونا» و «ديابالي». لكن المسلحين الإسلاميين لا يزالون يحتلون شمال البلاد. ويرى خبراء عسكريون ان تدفق مزيد من القوات الأجنبية وترسانة الأسلحة التي يجري تخزينها في مستودعات ضخمة قرب مطار باماكو، يعكس التحضير لمعركة قد تكون طويلة وقاسية مع آلاف من المقاتلين الاسلاميين، وبينهم عدد كبير من الإسلاميين الجزائريين والموريتانيين والنيجيريين. وقال ضابط في الجيش الفرنسي يشارك في تنظيم العمليات اللوجيستية الممهدة لنشر القوة الافريقية في مالي: «يتجمع الجنود في باماكو، ونؤمن لهم المأوى والحاجيات الضرورية حتى وصول العتاد. ولاحقاً سينشرهم وفق الخطة التي ستعتمد». وأضاف المقدم أريك جيل، رداً على سؤال عمن سيتولى قيادة الجيوش والعمليات خلال المرحلة المقبلة أن «قيادة القوات الفرنسية في مالي ستنسق بين جميع الوحدات حتى تتكلم تكتيكياً لغة واحدة»، من دون أن يضيف تفاصيل. ويجري نشر القوات الافريقية في مالي بموجب قرار للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا وافق عليه مجلس الأمن، ويهدف الى انهاء احتلال الإسلاميين لشمال البلاد، وإعادة الاستقرار الى هذا البلد الذي يواجه تحالفاً من الجماعات المتشددة يضم أربعة تنظيمات هي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و «جماعة أنصار الدين» وحركة «التوحيد والجهاد في غرب افريقيا» وتنظيم «الموقعون بالدماء». ومع تشكيك خبراء عسكريين في قدرة القوات الافريقية على مواجهة المقاتلين الإسلاميين المدربين والمسلحين بشكل جيد، يتطلع الماليون إلى نجاح هذه القوات في إعادة وحدة بلادهم، وإنهاء وجود تنظيم «القاعدة» فيها. وهي مهمة تبقى شاقة ومكلفة في رأي المراقبين.