قال مصدر مقرب جداً من قيادي في قوى 14 آذار، إن المعارضة انحرفت في استحضارها قانون الانتخاب الجديد عن الأولويات المدرجة على جدول أعمالها وأقحمت نفسها في الفخ الذي نصبته لها قوى الأكثرية في الحكومة التي راهنت على أن المواقف من القانون ستتسبب باختلاف بين أبرز مكوناتها، بدلاً من أن تنصرف إلى مواكبة الأحداث الجارية في سورية التي بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة والتداعيات الأمنية والسياسية المترتبة على توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سورية إلى لبنان لتفجيرها في أماكن متعددة في الشمال، إضافة إلى متابعة ما هو جديد في مسألة ما تردد عن ضبط محاولة لاغتيال رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في ضوء وضع اليد على عنصر يتعلق بالسيارة التي أصيبت بطلق ناري أثناء وجودها في عداد موكبه الوهمي، يمكن أن يعيد التحقيق إلى نقطة الصفر. ولفت المصدر نفسه إلى أن قوى 8 آذار ليست متفقة على القانون البديل في حال تعذر عليها تمرير اعتماد النظام النسبي في البرلمان بسبب «فيتو» رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط عليه، لكنها حرصت على عدم تظهير الاختلاف بين أطرافها إلى العلن كما فعلت بعض القوى في المعارضة التي أغرقت نفسها في معركة وهمية يراد منها ضرب بنيتها السياسية والتنظيمية. وسأل المصدر عن المصلحة في مبادرة بعض أطراف المعارضة إلى اختلاق مشكلة حول ما يسمى بقانون الانتخاب الجديد ستؤدي، إذا لم تفلح الجهود في استيعابها، إلى تشظيها من الداخل. ورأى أن لا مبرر لإصرار حزبي «القوات» اللبنانية والكتائب على الدوائر الصغرى على رغم أنهما يدركان جيداً أنه يحدث «نقزة» مجانية لدى جنبلاط ولا يستطيعان تمريره من دون موافقته. وأضاف: «صحيح أن جنبلاط لا يزال من ضمن الائتلاف الذي تشكلت منه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكن الصحيح أيضاً أن الموقف من الحراك الذي تشهده سورية يشكل نقطة اختلاف بقيت من دون حل. إضافة إلى أن جنبلاط بموقفه من الأحداث الجارية في سورية يلتقي مع المعارضة». واعتبر المصدر أن إصرار «القوات» والكتائب على الدوائر النسبية يدفعهما إلى خوض معركة من دون جدوى وبالتالي يتوجب عليهما التروي بدلاً من تسعير الخلاف مع جنبلاط فيما لا يحبذ رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المضي في افتعال مشكلة معه. وأوضح أن حلفاء «القوات» والكتائب في المعارضة يقفون إلى جانب مراعاتهما انطلاقاًَ من حرصهم على خصوصيتهما في الشارع المسيحي وبالتالي يؤيدون تدعيم نفوذهما فيه على حساب خصمهما عون، لكنهم يعتقدون أن من الخطأ الوقوع في تقديرات تفتقر إلى الدقة ومصدرها أن تعاطيهما مع قانون الانتخاب الجديد يجب أن ينطلق من أن سورية ذاهبة إلى التقسيم وهذا ما يشجعهما على تأييد القانون الذي يؤمّن لهما أكثرية مسيحية راجحة من دون أن يأخذا في الاعتبار أن لا قيمة لزيادة عدد مقاعدهما في البرلمان ما لم تكن مقرونة بضمان حصول المعارضة على أكثرية النواب في انتخابات الربيع المقبل، شرط التناغم مع هواجس جنبلاط ومخاوفه... وكشف المصدر عينه عن حصيلة اللقاء الذي عقده النائب أنطوان زهرا موفداً من رئيس حزبه سمير جعجع مع الحريري في الرياض، وقال إن الأخير شدد على أنه مع مراعاة الخصوصية المسيحية إلى أقصى الحدود وإنما بضوابط لا تنفر جنبلاط، وأن لا مانع لديه من طرح نظام الدوائر الصغرى شرط أن يحظى بتأييد «جبهة النضال» و «اللقاء الديموقراطي» لأن من دونهما لن يرى النور. ونقل المصدر عن الحريري قوله إنه لن يكون عقبة أمام اعتماد نظام الدوائر الصغرى بعد إعادة النظر في التقسيم الذي طرحه «القوات» والكتائب والنائب بطرس حرب، مشترطاً على الذين أعدوه أن لا يؤدي إلى رفع منسوب الهواجس والمخاوف لدى جنبلاط لأن ليس المطلوب من القانون تبديد هواجس فريق من دون مراعاة الفريق الآخر. وأكد المصدر أن الحريري كان واضحاً أمام زهرا عندما أكد له أنه لن يمشي في اعتماد النظام النسبي حتى لو أدخلت عليه تعديلات وأن موافقة «القوات» عليه تعني أنها تؤسس لمرحلة من الافتراق السياسي معه وهذا ما لا يريده، ولا يظن أن جعجع في هذا الوارد. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مرجع في المعارضة أن جعجع يدرس حالياً، في ضوء الموقف الذي نقله إليه زهرا عن الحريري، سحب موافقته على اعتماد النظام النسبي معدلاً من التداول حرصاً منه على لملمة الوضع داخل المعارضة وفسح المجال أمام الجهود الرامية إلى إعادة ترميمها بعد التشظي السياسي الذي أصابها ودفع نواب «اللقاء الديموقراطي» مروان حمادة وفؤاد السعد وأنطوان سعد وهنري حلو إلى إبلاغ رئيس حزب «القوات» أنهم في حل من أي التزام بالنسبية أو بالدوائر الصغرى، وأنهم يؤيدون العودة إلى قانون عام 1960 مع إدخال التعديلات المطلوبة لجهة إمكان إعادة النظر بتقسيم الدوائر الانتخابية. ولاحظ المرجع نفسه أن توافق «القوات» والكتائب على الدوائر الصغرى لا يعني أن التفاهم بينهما سالك وأن لا عراقيل أمام الانتقال إلى المرحلة اللاحقة المتعلقة بتوزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية، بل إنهما يواجهان مشكلة مصدرها الاختلاف على من يرث تراجع عون في الشارع المسيحي في ضوء استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً وأظهرت أن «الجنرال» غير قادر على الاحتفاظ بقوته الانتخابية. ورأى المرجع أن المعارضة تقف الآن أمام اختبار قدرتها على إعادة ترميم صفوفها بعدما تبين أن بعض أطرافها أوقعوا أنفسهم في لعبة الفريق الآخر الذي يسلط الضوء على قانون الانتخاب ليحجب الأنظار عن التأزم القائم في سورية، من ناحية، وعن مواكبة التحقيقات الجارية مع سماحة في ضوء ما يتردد عن أن محاكمته لن تبدأ في المدى المنظور لاعتبارات تتجاوز المتهم نفسه إلى ارتباط كبار المسؤولين السوريين به، من جهة ثانية. وتوقف أمام الحرب الإعلامية التي اندلعت أخيراً بين حزب الكتائب والمنسق العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد. وقال إن لا مبرر لها وكان يفترض أن يبقى الخلاف تحت سقف قيادات 14 آذار ليكون في وسعها التحرك لرأب الصدع، مؤكداً أن مثل هذا الخلاف يرتد سلباً على الجمهور الحيادي المؤيد للمعارضة الذي كان ينتظر من قيادته الإسراع في إنجاز الهيكلية التنظيمية على أساس إعطاء دور أكثر فاعلية للمستقلين. ولفت إلى أن الخلاف بين الكتائب وسعيد، وإن كان مزمناً بسبب ضم عضو المكتب السياسي السابق في الكتائب ميشال مكتف إلى الأمانة العامة، فإن تسعيره في هذا الوقت لن يكون لمصلحة المعارضة. وقال إنه لا بد من تدخل القيادات الأخرى من أجل إنهاء الاختلاف، وفي حال تعذر عليهم الوصول إلى حل، لا بد من إرساء قواعد لتنظيمه. وأكد المرجع أن الأسبوع الطالع بدءاً من اليوم سيشهد أكثر من تحرك لمعالجة ذيول الصدام الإعلامي بين سعيد والكتائب، وقال إنه يعلق أهمية على تجاوب رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل الذي يبدي حماسة للدوائر الصغرى، لكنه يحرص على الحفاظ على خط الرجعة مع جنبلاط، وهو يختلف في هذا المجال مع نجله النائب سامي الجميل الذي لا يأخذ في الاعتبار موقف حلفائه من القانون على رغم أنه يبقى «طبخة بحص» من دون أن يكون ممهوراً بتوقيع «جبهة النضال» و «اللقاء الديموقراطي». ومع أن اللقاء الذي عقد أخيراً بين وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والنائب زهرا لم يحقق أي تقدم في الوصول إلى مقاربة مشتركة لقوانين الانتخاب المطروحة، إلا أنه أبقى على التواصل قائماً من دون أن يعرف ما إذا كان زهرا سيلتقي جنبلاط قريباً. على صعيد آخر، توقع المصدر المقرب من القيادي في 14 آذار قيام رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بجهد فوق العادة في محاولة لتنقية الأجواء داخل المعارضة وصولاً إلى إعادة ترتيب الأولويات وتفعيل اللقاءات التشاورية بين أطيافها. وتردد في هذا السياق أن لدى 14 آذار توجهاً يقضي بتحضير الأجواء أمام عقد لقاء تشاوري موسع في بيت الكتائب المركزي أو في أي مكان آخر برعاية الرئيس الجميل، أسوة باللقاءات التشاورية المتنقلة التي تعقد في «بيت الوسط» أو في مقر جعجع في معراب. ورأى مصدر في المعارضة ضرورة عقد هذا اللقاء برعاية الجميل باعتبار أن من غير الجائز تجاهل بيت الكتائب الذي يقع في منتصف الطريق بين «بيت الوسط» ومعراب، خصوصاً أن الخلاف القائم بين الكتائب والأمانة العامة لم يبدل موقف الجميل من 14 آذار وهو أيد العريضة التي أعدتها أخيراً وتقدمت بها من رئيس الجمهورية ميشال سليمان. واعتبر المصدر أن هناك ضرورة لتسوية الحال بين الكتائب وسعيد الذي يأخذ على حلفائه المسيحيين أنهم قرروا شطبه من المعادلة الانتخابية عندما قرروا إدخال تعديل على الدوائر الصغرى أدى إلى اعتبار قضاء جبيل دائرة انتخابية واحدة ما يرجح دور الناخب الشيعي في حسم المعركة، إضافة إلى أن لدى النواب المستقلين في المعارضة تحفظاً عن أداء النائب في «القوات» جورج عدوان لجهة طمأنة بعضهم إلى أن حزبه سيدعمهم في الانتخابات المقبلة خلافاً لبعضهم الآخر وربما هذا ما يفسر اختيار زهرا مهمة التواصل مع جنبلاط.