ليس مبالغة القول إن ما توصّل إليه «المركز الأوروبي لبحوث الفيزياء» (سيرن - CERN)، عن جسيمات «بوزون هيغز» Boson Higgs، اعتُبِر من أهم إنجازات العِلم في العام الفائت. صحيح أن التجربة التي أنجزها «مُصادِم هادرون الكبير» Large Hadron Collider، الممتد بين فرنسا وسويسرا، لم يحسم كليّاً بشأن تلك الجسيمات، لكنه أعلن أنه تثبّت من وجود جسيمات «شديدة الشبه» بها («الحياة» في 5 تموز- يوليو 2012). ربما لم يتنبّه كثيرون إلى أن التجربة عينها، لم تستطع الحسم في شأن أمر آخر في الفيزياء هو «حاجز بلانك»، الذي ارتفع سدّاً منيعاً بفضل العالِم الألماني الشهير ماكس بلانك (1858-1947). ففي العام 1900، وضع بلانك نظرية عن الطاقة، عُرِفَت باسم «نظرية الكمّ»، وتركّت آثاراً ما زالت تتوالى فصولاً، على الفيزياء، بل العلوم كافة. ال»بيغ- بانغ» ومجهولاته حاول هيغز أن يقدّم تفسيراً لتطوّر الكون في اللحظات الأولى التي تلت «الانفجار الكبير» أو ال»بيغ- بانغ» الشهير. وبحسب هذه النظرية، كان الكون المادي كله، بمجرّاته ونجومه وكواكبه وشموسه وأجرامه، «مضغوطاً» في نقطة لا متناهية في الصغر، بل إنها لم تكن سوى انضغاط هائل لطاقة ضخمة لا يوصف مداها وحرارتها. ثم تبعثرت تلك النقطة قبل 13.5 بليون سنة بفعل «الانفجار الكبير». وأخذت تلك الطاقة تبرد شيئاً فشيئاً، بالترافق مع تحوّل جزء منها إلى مادة، أي إلى ذرّات تجمّعت في غيوم ضخمة، تشكّلت منها أجرام السماء. وبحسب هيغز، ظهرت جسيمات متناهية في الصغر (يسمى كل منها «بوزون»)، فشكّلت «الجسر» الذي عبرته الطاقة لتصبح مادة. وبعبارة أخرى فإن ال»بوزون» هي أول ما ظهر من المادة، إنها الجسيمات الأولى التي تجمّعت لتؤلّف المُكوّنات الدقيقة التي صُنِعَت منها الأجزاء الداخلية للذرّة ، بمعنى أن جسيمات «بوزون هيغز» رافقت عملية تشكّل الكون. ولكن، ماذا عن الطاقة التي خرجت مع «الانفجار الكبير»؟ لا توجد إجابة عما كانه الأمر بعد أربعين ثانية من ذلك الانفجار. أما بعد تلك الثواني، فإن العلم ينظر إلى الطاقة عبر نظرية بلانك، الذي رأى أن الطاقة لا تخرج فيضاً متّصلاً، بل تصدر في كميّات منفصلة، تسمى الكميّة الأصغر فيها «فوتون». ويُحمَل ال»فوتون» على موجة الطاقة، عبر معادلة ترتكز إلى عنصر ثابت، سُميّ «ثابت بلانك». ومثلاً، يحمل الضوء «فوتون» مفرداً على موجته الكهرومغناطيسية. وكي نرى شيئاً فائق الصغر، لا بد أن يصله الحدّ الأدنى من الضوء، بمعنى أن يصله «فوتون» مفرد على الأقل. ولأنه يحمل طاقة أيضاً، فإن وصوله إلى الشيء يُحدث تغييراً فيه. واستنتج البعض أنه يستحيل معرفة الأشياء بدقة، طالما أنها تتغيّر مع وصول ال»فوتون» إليها. وخلصوا للقول باستحالة المعرفة، بسبب «ثابت بلانك»! هناك سؤال أكثر صعوبة. كيف كانت الطاقة تصدر من نقطة «الانفجار الكبير» عند حدوثه؟ لا إجابة لهذا السؤال، ولا حتى للطريقة التي سارت عليها أمور الطاقة خلال الثواني الأربعين الأولى بعد ال«بيغ- بانغ». ولم تفلح تجربة «سيرن» في 2012، في الإجابة عن هذا السؤال، فبقي «حاجز بلانك» سرّاً مُستغلقاً. هل يشهد عام 2013، ظهور حلّ لهذا الاستعصاء؟