قالت الباحثة الفيزيائية السعودية الدكتورة ابتسام باضريس أن الاكتشاف الجديد الذي توصلت إليه المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، الذي يمكن من خلاله معرفة الطريقة التي يعمل بها الكون، لا يبحث عن الاطلاع على الغيب، بقدر ماهو اكتشاف قدرة الله في كونه. وأضافت أنه كلما تعمقنا في العلم، اكتشفنا مدى ضآلتنا في معرفة قدرة الله تبارك وتعالى، مبينة أن الفائدة من الاكتشاف هو معرفة اختلاف كتل الجسيمات. وأوضحت باضريس في مقال علمي خصت به «الشرق»، أنها شاركت في التجربة الأولى للاكتشاف، أثناء فترة دراستها في سويسرا، بيد أن التجربة الثانية، التي قادت للاكتشاف، لم تشارك فيها، بسبب عودتها إلى المملكة العربية السعودية، مؤكدة أنها ما زالت في تواصل مع المنظمة، وسيكون لها هناك تعاون مستقبلي. وعن خططها المستقبلية، أشارت باضريس إلى أنها تسعى للعمل في التدريس من خلال بوابة إحدى الجامعات، إضافة لتشكيل فريق بحثي علمي سعودي يمثل المملكة كمشارك في الاكتشافات العلمية الحديثة. وقالت باضاريس: «منذ أن أوجد الله الإنسان على ظهر هذه الأرض، ظل هناك سؤال واحد شغل تفكير هذا الإنسان على مر العصور إلى يومنا هذا: مم خلق الله هذه الأرض التي يعيش عليها؟. ومع تطور تفكيره وعلومه أصبح السؤال أكبر وأشمل: مم خلق الله الكون؟ الذي تعتبر الأرض جزءا صغيرا جدا منه؟. فأصبح الإنسان، وهو في سبيله للإجابة عن هذا السؤال، يطور من علومه وأساليب دراسته المختلفة، فنمى علم الرياضيات وعلوم الطبيعة (الفيزياء) والكيمياء والأحياء وعلم الأرض والفضاء والفلك وعلوم أخرى كثيرة. وكان كلما تطور بتفكيره أكثر كان كل علم من علومه ينمو ويتشعب لعلوم فرعية». الفيزياء النووية وأضافت «واحد من هذه العلوم، الذي يعتبر من العلوم الرئيسة في دراسة كيفية نشأة الكون، هو علم الفيزياء «النووية» عالية الطاقة (High Energy Physics)، أو فيزياء الجسيمات الأولية (Elementary Particle Physics). ففي ضوء هذا العلم استحدثت نظريات عدة عن نشأة الكون ومكوناته. ومن كل هذه النظريات، كان أشهرها وأقربها للقبول من كافة العلماء، المتخصصين في فروع العلم المختلفة التي تدرس نشأة الكون ومكوناته، هي النظرية القياسية للجسيمات الأولية (The Standard Model of Elementary Particles)، التي تم صياغتها بصيغتها النهائية في آواخر سبعينيات القرن الماضي. والمبادئ الأساسية التي تتبناها هذه النظرية، دون الدخول في تفاصيلها، وهي أن المواد الموجودة في الكون مكونة من أولا: اثني عشر جسيما أوليا (لا يمكن تقسيمه لجسيمات أقل منه)، والجسيمات المضادة لكل واحد منها، ست كواركات (six quarks)، والمضادات لهذه الست، وست ليبتونات (six leptons)، والمضادات لها. ثانيا: حوامل الطاقة بين الجسيمات الأولية (Force carriers). وهذه النظرية أيضا تتبنى وجود ثلاث قوى أساسية في الطبيعة تؤثر في تفاعل هذه الجسيمات مع بعضها، ومع محيطها. قوة الجاذبية الأرضية لا تشملها هذه النظرية. والجدير بالذكر هنا، دون الدخول في تفاصيل كثيرة، إنه في الوقت الراهن، ومع تطور العلم بشكل كبير في الثلاثة أو الأربعة عقود السابقة، أصبح هناك كثير من العلماء يؤمنون بأن هذه النظرية، مع كونها من أهم النظريات التي تعنى بدراسة مكونات الكون، ومع أن أغلب فرضياتها تحققت، إلا أنها لا تعتبر نظرية كاملة. وأصبح هناك علم جديد معني بدراسة ما وراء النظرية القياسية (Beyond the Standard Model». جسيم جديد وزادت «على مدة العقود السابقة تم إثبات صحة كثير من فرضيات هذه النظرية بدقة كبيرة. ولكن كان هناك ركن من أهم الأركان في هذه النظرية لم يكتشف بعد، ألا وهو جسيم يدعى جسيم الهيجز أو «هيجز بوزون» (Higgs Boson)، الذي يعتبر من الأسباب الرئيسية في بناء أكبر معجل للهيدرونات في العالم مصادم الهيدرونات الكبير (Large Hadron Collider)، أو ما يعرف اختصارا LHC. تكمن أهمية هذا الجسيم، في اعتقاد العلماء، أنه مسؤول عن توليد الكتلة، أو اكتساب الجسيمات الأولية لكتلها عن طريق تفاعل هذه الجسيمات مع ما يعرف ب«مجال هيجز» (Higgs Field)، فتتكون الذرات، التي بتجمعها تتكون الجزيئات، والتي تتكون منها المواد المحسوسة، في هذا الكون. وتكمن صعوبة اكتشافه من حقيقة أن كتلته كبيرة جدا قدرها العلماء في نطاق 116-130 GeV، وأنه يتحلل لجسيمات أقل منه بسرعة فائقة. فكان لابد من تطوير معجلات نووية لها قدرة على الوصول لهذه الطاقات العالية جدا، وأيضا ابتكار وسائل تحليل أكثر تطورا لاستخراج المعلومات الناتجة من التفاعلات الكثيرة أثناء إجراء التجربة». تجارب عملاقة وأضافت «في حفل كبير تم في المركز الأوروبي للأبحاث CERN، حضره نخبة من العلماء والباحثين في مجال الفيزياء النووية عالية الطاقة، يتقدمهم علماء الفيزياء النظرية الأوائل اللذين قاموا باستحداث فرضية وجود جسيم الهيجز، يتقدمهم «بيتر هيجز» (Peter Higgs)، الذي سُمي الجسيم باسمه، قامت اثنتان من التجارب العملاقة في العالم تجربة ATLAS، وتجربة CMS، باستعراض آخر ما تم التوصل إليه في مجال البحث عن الهيجز بوزون. فقد عرضت التجربتان نتائجهما، موضحين أن ما رصدته النتائج التي تم تحليلها، أن جسيم الهيجز كتلته 126.3±0.6 GeV بمقدار انحراف معياري عن القيمة الرئيسية 4.9σ، وهذه النتائج تتطابق إلى حد كبير مع الفرضيات التي وضعت في النظرية لهذا الجسيم، وتنبع أهمية هذا الاكتشاف أيضا من أن العلماء يتوقعون دخول علم الفيزياء، وتحديدا علم فيزياء تاجسيمات الأزلية عصر جديد في دراسة الكون الذي نعيش فيه». أول سعودية وقالت باضريس «أفتخر أنني أول سعودية باحثة في هذا المجال تنضم إلى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، وعضوة في تجربة ATLAS، إحدى التجربتين اللتين كانتا مسؤولتين عن هذا البحث، أثناء اشتغالي برسالة الدكتوراه الخاصة بي، التي أنجزتها بعد ذلك في معهد اينشتين للفيزياء بجامعة بيرن في سويسرا، بعد أن أنهيت عملي في CERN. في تلك الفترة التي عملت فيها في CERN، كان العمل في مجال تحليل المعلومات على نماذج تحضيرية لقنوات مختلفة هو السائد، حيث لم يكن المعجل يعمل بعد. والآن وبعد أن عدت إلى وطني الحبيب المملكة العربية السعودية، كنت على اتصال دائم مع الباحثين في CERN، وإن لم أشارك بشكل مباشر في تحليل آخر البيانات لسنة 2012 و2011، التي كانت سببا رئيسيا في هذا الاكتشاف الكبير». واختتمت باضريس مقالها بقولها «لقد أعطانا الله العقل لكي نستعمله في تصريف أمور حياتنا الدنيا، والتفكر، وفهم ما يحيط بنا، ومن هنا بدأ العلم يتطور، والذي لن يصل مهما حاولنا لمرتبة أعلى من «قليل»، فقد قال سبحانه وتعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا». فنحن نحاول دائما أن نستكشف قدرة الله سبحانه وتعالى في كونه، وكلما تعمقنا في العلم، اكتشفنا مدى ضآلتنا أمام قدرة الله تبارك وتعالى».