بعد أن هدّد في 2011، بالتسبّب في انهيار نظرية إينشتاين عن النسبية العامة، ومعها نظرية «الانفجار الكبير» («بيغ بانغ»)، عاد «المركز الأوروبي لبحوث الفيزياء الذريّة» ليعدّل الأمر جذريّاً، ولكن ليس كليّاً. وبيّن أنه أنجز تجربة أشارت إلى وجود جسيمات «تنسجم مع ما وصفه هيغز»، من دون المغامرة بالقول إنه أثبت وجودها على نحوٍ حاسم. ماذا كان أمر هذه التجربة؟ لماذا هذا الاهتمام الفائق بما قاله هيغز؟ تناظر منذ 13.8 بليون سنة قبل قرابة نصف قرن، افترض العالِم البريطاني وجود جسيمات أصغر من الذرّة لكنها تقف وراء وجود الذرّات، سُميّت جسيمات «بوزون هيغز» Boson Higgs. ويفترض أن هذه الجسيمات ظهرت بعد «الانفجار الكبير»، الذي ابتدأ منه تشكّل الكون، بل أنها هي التي مثّلت الشكّل الأولي تماماً للمُكوّنات الصغيرة التي تتألف منها الذرّات. ولأنها جذر في الذرّات كلها، يفترض أن الذرّات التي انتشرت في الكون وألّفته (مع مُكوّنات أخرى متّصلة بها)، فإن القوانين التي تحكم المادة هي نفسها في الكون كله. يُطلق على هذا الأمر اسم «التناظر» Symmetry، ما يعني أن قوانين الفيزياء التي ترصد في المادة على الأرض، يفترض أن تكون هي نفسها (أو منسجمة معها على الأقل، وهو معنى تناظر الكون وانسجامه علمياً) في أي مكان في الكون، حتى مع احتمال وجود مواد مختلفة كثيراً عما يعرفه البشر على الكوكب الأزرق. إنه تماثل وانسجام وتناظر على مستوى الذرّة، بل على مستوى المُكوّنات الأولى التي تؤلّف المُكوّنات الداخلية للذرّة. ويعطي هذا الأمر فكرة عن أهمية جسيمات «بوزون هيغز». ولأن وجودها ينسجم مع نظرية إينشتاين عن النسبية العامة، وكذلك ال «بيغ- بانغ»، يمثّل غيابها انهياراً لأسس الفيزياء المعاصرة كلها، ويفرض على العلماء أن يعودوا إلى المربع الأول للبحث عن نظرية بديلة. وأنقذ العام 2012، العلماء من هذا المسار. وأنقذت التجربة الأوروبية التي عثرت على جسيمات قريبة من أوصاف «بوزون هيغز»، الكون من فقدان «التناظر» في صورته المرتسمة في أدمغة العلماء. لكنه لم يكن إنقاذاً كاملاً. لم تحسم التجربة أمر جسيمات «بوزون هيغز» كليّاً. بقي هناك مساحة صغيرة مكشوفة. ماذا يكون مآلها؟.