لا يستخف بأهمية خطاب بشار الأسد. فهو يأتي بعد خبو بارقة الأمل التي حملتها المبادرة الأخيرة للمبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي. وهي لم تكلل بالنجاح. وأخفقت مساعيه لتشكيل حكومة انتقالية متوازنة تجمع بين الحكومة والمعارضة لإعادة صياغة الأزمة، وتعثرت بتعاظم حدة العمليات العسكرية بين الحكومة والمعارضة جراء زيادة الدعم العسكري للمعارضة الذي ساهم في تفاقم الأزمة في عدد كبير من المناطق السورية. وإذا كانت ثمة بارقة أمل، فهي انطوت في المشروع السياسي للإبراهيمي الذي حاول الحفاظ على وحدة الأراضي السورية من طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الأحزاب القومية والمذهبية من أجل تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات. لكن المعلومات التي تحدثت عن 60 ألف قتيل وعشرات الآلاف من المشردين والتخريب الواسع الذي أصاب مناطق متعددة، قضت على مثل هذه الأحلام. وإذا أُجهِضت الاقتراحات التي طرحها بشار الأسد بعد عامين من الاشتباكات والحراك العسكري، رجحت كفة أسوأ الاحتمالات والحوادث الكبرى والخطيرة. تعود أهمية خطاب الأسد إلى كونه فرصة للسلام بين الحكومة والمعارضة في وقت لم تعد القوات الحكومية تسيطر إلا على نصف المناطق السورية والنصف الآخر وقع بيد قوات المعارضة. ويملك كل طرف برنامجاً عسكرياً للمستقبل، وسبق أن عارضت المعارضة مبادرة الإبراهيمي واقتراحات روسيا وبنودها الستة. لذا، يبدو رفضها مشروع الأسد «طبيعياً» وغير مفاجئ. فهي سارعت إلى رفض اقتراحاته وأعلنت مواصلة عملياتها المسلحة. لكن المهم يبقى الموقع الاستراتيجي المستقبلي لسورية: فإلى شمال شرقها، تسود غالبية كردية. ومدعاة أسف انسحاب القوات الحكومية من المنطقة هذه لأسباب غير معروفة، وشرعت الأبواب أمام بسط الأكراد سيطرتهم، فبادروا إلى نشر قواتهم في المنطقة كلها، ما ساهم في إرساء نوع من حكومة موقتة. في الشمال والشمال الغربي ومناطق من الوسط والجنوب، وحتى في ريف دمشق، أي في مناطق الغالبية السنية، لم يعد للحكومة وجود واضح وبارز، وخرجت المنطقة هذه عن عقالها. في الغرب من سورية المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، يشكل العلويون غالبية السكان ولهم نفوذ قوي هناك. ولكن ما موقف الأسرة الدولية إزاء مثل هذه الأوضاع؟ هل سيتحرك مجلس الأمن، ويعقد جلسة خاصة لإصدار بيان في هذا الشأن أم أن نموذج البلقان هو المطروح على بساط البحث لتقليل حجم الضحايا؟ لا شك في أن الجواب يحتاج بعض الوقت. * سفير إيراني سابق، عن «اعتماد» الإيرانية، 7/1/2013، إعداد محمد صالح صدقيان عن كاريكاتير الثورة السورية