مع أنه حاز على جائزة نوبل عام 1992ما يزال والكوت مجهولاً إلى حد كبير لدى القراء العرب، فلم يترجم من أعماله شيء يذكر، بل إنه حتى المعلومات المتوفرة عنه قليلة جداً قياساً إلى كتاب آخرين من وزنه الثقيل في عالم الكتابة الإبداعية. لاشك أن والكوت أحد أشهر الكتاب الذين برزوا من جزر الكاريبي، وهو شاعر وكاتب مسرحي وأستاذ جامعي، بل إن نشاطه في المسرح يأتي في المقام الأول لأن عمله في التدريس الجامعي في جامعة بوسطن الأمريكية يقوم على حد كبير على علاقته بالمسرح، لكنه بالطبع يدرس الكتابة الإبداعية وهي شاملة للمسرح والشعر وغيرهما. ولد والكوت عام 1930في سانت لوشا في الكاريبي، وعاش حياته متنقلاً بين مسقط رأسه وعدد من البلاد البعيدة والقريبة، فقد عاش في ترينيداد، حيث بدأ نشاطه في المسرح أواخر الخمسينيات، ثم في عام 1981التحق بالتدريس في جامعة بوسطن يعلم الكتابة الإبداعية. وقد تقاعد عن التعليم عام 2007ويقوم حالياً بإلقاء المحاضرات والقصائد في أنحاء مختلفة من العالم. نشر والكوت العديد من المجاميع الشعرية وكتب حوالي العشرين مسرحية. قصائده كتبت بأشكال وأساليب مختلفة لكنها تتوجت بملحمته "أوميروس" التي صدرت عام 1990والتي يعيد فيها سرد ملحمة الأوديسة لهوميروس، ومن هنا جاء العنوان، لكن ملحمة والكوت تختلف عما يناظرها في اليونان القديمة في أنها لا تقدم بطلاً واحداً، بل عدة أبطال، ويرى بعض النقاد أن البطولة في الحقيقة تسند لجزيرة سانت لوشا نفسها. أما من الناحية الموضوعية فللملحمة محاور متعدد أيضاً من أبرزها أثر الاستعمار على جزر الكاريبي وعلى الثقافة التي ورثها والكوت نفسه. أثر الاستعمار أو ما بات يعرف بما بعد الكولونيالية (ما بعد الاستعمارية) موضوعة رئيسة في شعر والكوت، بل إن الشاعر يعد من أهم الكتاب الذين يمكن الاستناد إليهم لإيضاح القضايا أو الموضوعات التي يعالجها نقاد هذا الحقل النقدي والفكري. ذلك أن الكاريبي عبارة عن جزر احتلتها الدول الأوروبية، بريطانيا بشكل خاص، وتركت عليها أثراً عميقاً ما يزال تأثيره واضحاً. هذا بالإضافة إلى الإرث الاستعبادي للجزر حيث يعيش عدد كبير من السكان الذين جيء بهم من الهند وإفريقيا عبيداً للسادة البيض. وفي كتابات والكوت الكثير من الوقوف على هذا الجانب من حياة المجتمعات التي تعيش في تلك الجزر، فهي مجتمعات مجتزأة من لحمة تاريخ قديم ومقطوعة عن تسلسل ثقافي واجتماعي لترمى بعد ذلك في أماكن لا تاريخ لها سوى ما صنعه المستعمر وما لا تزال تصوغه رغبات السياح والشركات الضخمة صاحبة الفنادق الفخمة على الشواطئ اللازوردية التي ما تزال تلمع في "بروشورات" المكاتب السياحية حتى يومنا هذا: ها أنا، بساقين متقاطعتين عبر النهار، أراقب القبضات المتنوعة للسحب إذ تتجمع فوق الملامح الشعثاء لجزيرتي المنحدرة وفي هذه الأثناء تثبت السفن السياحية إذ تقسم الفضاء أننا ضائعون؛ أننا موجودون فقط في مطويات السياح، خلف مناظير التقريب الملونة ... هكذا يرى والكوت نفسه ومنطقته في إحدى قصائده المبكرة. لكنها رؤية تتواصل لنجده في مجموعة صدرت عام 1976بعنوان "عنب البحر" ينشر قصيدة حول الأوضاع نفسها. عنوان القصيدة "أسماء" ويبدؤها بقوله: بدأ عرقي (رحلتي) مثلما بدأ البحر دون أسماء، ودون أفق، بحصى تحت لساني وبنظرة نحو النجوم مختلفة. لقد وضعت كلمة "رحلتي" بين معقوفتين لأن الكلمة الإنجليزية المقابلة "ريس" race تتضمن الدلالتين: العرق أو الانتماء الإثني من ناحية والرحلة من ناحية أخرى، والنص يحتمل الدلالتين معاً. والأقرب أن يكون والكوت قد تعمد التورية، فهو في بعض أسطر القصيدة يتحدث عن نفسه كفرد، وفي بعض أسطرها الأخرى ينتقل إلى أهله، وفي الحالة الأخيرة نلاحظه يرسم عمق المأساة التي يستشعرها حين يتساءل: هل ذبنا في المرآة، وقد تركنا أرواحنا وراءنا؟ صائغ الذهب من بينارس وقاطع الحجر من كانتون وصائغ البرونز من بنين المرآة هي الصورة التي صاغها الغرب لهذه المجموعة البشرية، التصور الذي رسمه لهم المستعمر والذي يخشى الشاعر أن يكونوا فقدوا هويتهم حين تماهوا فيه. هذا على الرغم من وضوح الأصول التي جاؤوا منها: بيناريس في الهند وكانتون في الصين وبنين في غرب إفريقيا. هؤلاء الناس الذين جمعوا من تلك الأماكن وزج بهم على هذه الجزر ليزرعوا ما يريده الإنسان الأبيض أو ينجزوا ما يريد منهم أن ينجزوه هم الآن يتساءلون عن هويتهم، عن ماضيهم ومستقبلهم. في بقية القصيدة يشير والكوت بوضوح أكبر إلى مسؤولية أوروبا عما حدث لهؤلاء، كيف اختلطت الهويات والموروثات ومنها اللغات. فالإنجليزية التي يكتب بها والكوت هي جزء من ذلك الإرث الاستعماري، لكن من يقرأ والكوت سيتبين له أن نظرته أكثر تركيبية مما تبدو لأول وهلة، فعلى الرغم من نقده الحاد لأوروبا نجده أيضاً يحتفي ببعض ما تركته من إرث، منه اللغة الإنجليزية نفسها.