يقر مسؤولون في الأردن ومتابعون للشأن الانتخابي بتسرب المال السياسي إلى مفاصل العملية الانتخابية المقررة في 23 الشهر الجاري، معتبرين أن استمرار هذه الظاهرة من شأنه أن يهدد مستقبل الانتخابات البرلمانية، ويطعن في نزاهتها، وان يضع الوعود الرسمية بالإصلاح ومحاربة الفساد في «موقف لا تحسد عليه». ويتحدث هؤلاء عن دور لافت لرأس المال في تشكل أعداد كبيرة من القوائم الانتخابية وشراء الأصوات، خصوصا داخل المحافظات الفقيرة التي تغلب عليها التركيبة العشائرية، إلى جانب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تعاني التهميش ويحق لسكانها الإدلاء بأصواتهم باعتبارهم مواطنين أردنيين. وأكد مسؤول أردني بارز ل «الحياة» قيام مرشحين وأعوانهم بحجز بطاقات انتخابية لأعداد كبيرة من المواطنين بمناطق ومدن مختلفة في مقابل مبالغ مالية محددة. وأوضح أن «استخدام المال السياسي في الانتخابات يضع الدولة في مأزق كبير إن لم يتدارك الأمر بشكل جدي». ويكشف مقربون من رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، أحد أبرز مهندسي العملية السياسية المقبلة عبد الإله الخطيب امتعاضه الشديد من انتشار المال السياسي لدرجة أنه هدد صراحة خلال جلسة رسمية غير معلنة، بالانسحاب من الإشراف على يوم الاقتراع في حال لم تضع السلطات التنفيذية، خصوصا الأمنية، حداً لتجاوزات بعض المرشحين. ونقل هؤلاء ل «الحياة» أن الخطيب الذي يفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام، «يراقب جيداً رموز المال السياسي، وقدم إلى الجهات الأمنية قائمة تحمل أسماء بعض المتهمين بشراء الأصوات واستغلال حاجة الناخبين». وتزامنت هذه التهديدات مع تلميحات صدرت عن القصر الملكي نفسه في هذا الصدد، إذ توعد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بعض رموز المال السياسي، مؤكدا خلال لقاء تشاوري مغلق جرى قبل أيام أنه «لا مجال هذه المرة لأي عبث أو تزوير لإرادة الناخبين»، في إشارة بدت واضحة إلى خروق رسمية شابت العملية الانتخابية السابقة وأقرت الحكومة بحدوثها. وتعاملت الهيئة المستقلة خلال الأيام الماضية مع عدد من قضايا المال السياسي، أبرزها قيام أحد المرشحين بحجز آلاف البطاقات في مقابل مبالغ مالية محددة، وضبط سيدة بحوزتها بطاقات وهويات بكميات كبيرة في مدينة السلط المجاورة للعاصمة عمان. وقال الناطق باسم الهيئة المستقلة حسين بني هاني في تصريحات إن «الهيئة قدمت إلى القضاء شكاوى مشفوعة بوثائق وبيانات أثبتت أن هناك مالاً فاسداً يجري ضخه في عروق العملية الانتخابية». واكدت مصادر أمنية تشكيل فرق تابعة لجهاز «الأمن الوقائي» مهمتها ملاحقة مرتكبي جرائم المال السياسي وشراء الأصوات. من جهة اخرى، أفادت مصادر رسمية رفيعة المستوى ان القضاء الأردني امهل الرئيس السابق لشركة مناجم الفوسفات الأردنية وليد الكردي، 10 أيام لتسليم نفسه إلى سلطات البلاد، وإلا سيخضع للمحاكمة الغيابية بتهم فساد. وعلم أن جهات قضائية تسعى إلى تشكيل محكمة خاصة للتحقيق مع الكردي، وهو زوج الأميرة بسمة بنت طلال عمة الملك عبدالله. وستخصص جلسات أسبوعية محددة لمحاكمته على غرار محاكمة مدير جهاز المخابرات العامة السابق محمد الذهبي المتهم أيضا بقضايا فساد واستثمار للوظيفة. وكان الأردن طالب قبل أيام الشرطة الدولية (الانتربول) باسترداد الكردي من لندن بعد اتهامه رسمياً بقضايا فساد. ووجه الادعاء العام التابع لهيئة مكافحة الفساد قرارات ظنية بحق الكردي تضمنت اتهامه بشبهات فساد تجاوزت مئات ملايين الدنانير خلال توليه رئاسة مجلس إدارة الشركة العامة ورأسمالها 75 مليون دينار أردني للأعوام (2007 – 2012)، كما أصدر قراراً بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة.