قضت محكمة جنايات عمان أمس على مدير الاستخبارات السابق محمد الذهبي بالسجن 13 عاماً وغرامة مالية قدرها 21 مليون دينار أردني (نحو 30 مليون دولار) بعد إدانته بتهم غسيل أموال واختلاس واستثمار للوظيفة، في ثاني محاكمة لمدير استخبارات أردني في عهد الملك عبد الله الثاني. وقضت المحكمة أيضاً على الذهبي «بمصادرة قيمة الأموال المختلسة ومقدارها 24 مليون دينار (نحو 33.8 مليون دولار)»، وجاءت ادانة الذهبي الذي تولى منصبه في الفترة بين 2005 إلى 2008، خلال محاكمة مثيرة استمرت لشهور وشهدت الكشف عن تفاصيل لافتة في القضية التي تعتبر واحدة من أهم قضايا الرأي العام في الأردن. وكشفت القضية عن نقل أموال طائلة بسيارات من العراق الى الأردن، إضافة الى منح جنسيات أردنية لمستثمرين عراقيين في مقابل مبالغ مالية، إلى جانب النفوذ الذي يتمتع به مدير الاستخبارات في الأردن، الذي يتعدى منصبه المحدد بالقانون، كما أكد سياسيون ومحللون خلال المحاكمة. وشهدت في المحاكمة شخصيات بارزة، على رأسها وزير الداخلية السابق عيد الفايز، ومدير دائرة مكافحة الإرهاب السابق في الاستخبارات الأردنية علي برجاق، وضباط استخبارات آخرون، ومسؤولون وموظفون من أبرزهم مدير مكتبه الذي تسلم نصف مليون دينار (700 ألف دولار) من وزارة الداخلية عام 2007، من مخصصات الانتخابات النيابية التي أقر الأردن رسمياً بتزويرها وحل البرلمان المنبثق عنها عام 2009. ووصف محامي الدفاع ياسين صبحا القرار الصادر بحق موكله ب «القاسي جداً»، لكنه رفض الرد على سؤال إن كانت هذه المحاكمة سياسية، وقال للصحافيين «القضية لا توجد فيها بيّنات لتصل الإدانة الى هذه الدرجة، كنا نتوقع الحكم بعدم المسؤولية أو البراءة». وأضاف: «بالنسبة الى تهمة غسل الأموال، يلزم القانون الأردني النيابة تقديم البيّنات التي تؤكد التهمة، وهذا ما لم يحصل». وعن تهمتي الاختلاس واستثمار الوظيفة، أوضح محامي الذهبي «لم تقدم أي بيّنة على الاختلاس، وعن مبلغ النصف مليون دينار ثبت أن الذي صرفه واستخدمه أحد شهود النيابة ولم يقدم عكس ذلك». وأكد أنه سيتقدم بالاستئناف في حال الإصرار على إدانة موكله. وتعتبر هذه الإدانة الثانية لمدير استخبارات خلال عهد الملك عبد الله منذ عام 1999، بعد أن دانت محكمة خاصة مدير الاستخبارات السابق سميح البطيخي عام 2000 بتهم الاختلاس واستثمار الوظيفة. واعتبرت أوساط رسمية أردنية أن محاكمة الذهبي تؤكد جدية الأردن بمكافحة الفساد على أعلى المستويات، فيما رآها معارضون باعتبارها غير كافية، وطالبوا بالتحقيق بعشرات ملفات «الفساد» المتهم فيها مسؤولون كبار سابقون وحاليون. واعتبر سياسيون ومحللون تحدثت إليهم «الحياة» أن الحكم على الذهبي جاء «مفاجئاً» و «صادماً» بحجمه، لكنه «يبعث برسالة تحاول الدولة من خلالها إقناع الرأي العام أنها جادة بمكافحة الفساد، وأن لا أحد فوق المحاسبة». واعتبر هؤلاء أن الدولة «أمام مسؤوليات كبرى بعد محاكمة الذهبي كونها حاكمت شخصاً بهذا الوزن والنفوذ»، وعليها بالتالي أن «تسير بمحاكمة أشخاص ذوي نفوذ وشخصيات تبوأت مناصب رفيعة لا زالت التهم تلاحقها بالفساد». وترى كيانات معارضة، خصوصاً الإسلامية، أن الحكم على الذهبي «يعزز من مطالبات المعارضة بالحد من نفوذ الاستخبارات وضرورة عودته الى مربعه الأمني البحت في غياب الرقابة على أدائه». وكانت أولى جلسات محاكمة الذهبي بدأت في 14 حزيران (يونيو) الماضي. وقرر المدعي العام في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي منع الذهبي من السفر والحجز التحفظي على أمواله المنقولة وغير المنقولة، إثر شكوى قدمها ضده البنك المركزي الأردني.