استحوذت وزارة العمل على غالبية الأضواء في العام الماضي بإعلانها قرارات عدة أثارت تفاعلاً وجدلاً وضجة، كان آخرها قرار رفع الرسوم العمالية إلى 2400 ريال سنوياً، الذي لا يزال الجدل مستمراً حول جدواه وأضراره. وحظي العام 2012 بحراك غير مسبوق في سوق العمل السعودية، إذ سبق ضجة «الرسوم العمالية» قرار البدء في تطبيق المرحلة الثانية من برنامج «نطاقات»، الذي حدد للمرة الأولى حداً أدنى لرواتب السعوديين في القطاع الخاص، يبلغ 3 آلاف ريال. ويبقى انطلاق برنامج «حافز» مع بداية العام الماضي القرار الأكثر تأثيراً، وسط ترقب لمدى استمراره، خصوصاً أن برنامج إعانة العاطلين أظهر عدم دقة نسب البطالة المتداولة والمعلنة محلياً، بعد أن سجل في البرنامج أكثر من 1.1 مليون، ما يعني ضعف العدد المعلن عنه في الأعوام السابقة. ومن أبرز تأثيرات برنامج «حافز» على الداخل السعودي، أنه زج بالمرأة السعودية نداً للرجل في السوق المحلية، بمنحها الحق نفسه في الحصول على إعانة العاطلين، وصدور أرقام وإحصاءات عن «بطالة النساء»، كان آخرها إعلان وزير العمل المهندس عادل فقيه وجود 1.7 مليون عاطلة من العمل. وأخفقت وزارة العمل في إعادة خط «استقدام العمالة المنزلية» إلى سكته مع «جاكرتا»، استطاعت إعادته مع «مانيلا» بعد انقطاع دام نحو عامين، بتوقيع اتفاقات جديدة مع الحكومة الفيليبينية. ويرى اقتصاديون أن قرارات وزارة العمل خلال العام 2012 ستؤثر بشكل كبير سلباً وإيجاباً في الاقتصاد المحلي، فبحسب وزارة العمل فإن قراراتها الأخيرة تهدف إلى زيادة توطين الوظائف، وتقليص حجم البطالة وإجمالي تحويلات العمالة الوافدة، وهو ما يعتقد أنه سينعكس على الاقتصاد المحلي. وبينما تظهر الأهداف المعلنة على أنها «الترياق» لأزمة البطالة في السعودية وداعم للاقتصاد السعودي، يرى اقتصاديون أن سلبيات القرارات نفسها أكثر من نفعها، إذ حذروا من خروج عدد كبير من المنشآت الصغيرة من السوق، وارتفاع معدلات المعيشة في السعودية كرد فعل مباشر لفرض الرسوم على العمالة الوافدة مثلاً. ووصف الاقتصادي جمال بنون عام 2012 ب «العام السيئ لسوق العمل السعودية». وقال ل «الحياة»: «إن بداية العام جاءت مواكبة لانطلاق برنامج حافز الهادف إلى تقديم الدعم المالي وتوفير فرص عمل للشباب السعودي من الجنسين». وأضاف: «لكن للأسف، لم يستطع الكثير من الشبان والشابات الاستفادة من البرنامج بسبب الشروط التي وضعتها الوزارة». مؤكداً أن هدف البرنامج الرئيس «لم يتحقق بشكل كبير، إذ لا تزال معدلات البطالة مرتفعة بين السعوديين». واعتبر أن الوزارة عملت على الضغط على القطاع الخاص بما يخص فرض الرسوم على العمالة الأجنبية، وتابع: «فرض رسوم جديدة على القطاع الخاص بمقدار 200 ريال شهرياً لكل عامل وافد يطرح سؤالاً عما إذا كان سببها زيادة دخل صندوق تنمية الموارد البشرية». ولفت بنون إلى أن وزارة العمل السعودية من خلال قراراتها «تهتم بالكم وليس الكيف والنوعية»، خصوصاً أنها «سوقت خلال الأعوام الماضية لوظائف دنيا ولم تسوق لوظائف ذات مستوى أعلى». وأشار إلى أن «برنامج نطاقات في نسختيه الأولى والثانية لم يعطِ بيانات واضحة وكاملة عن مدى نجاحه، وكم يبلغ عدد العمالة التي غادرت البلاد، وعدد السعوديين الذين تم توطينهم في الوظائف داخله»، موضحاً أن الحاجة ماسة لوجود مؤشر لأرقام العمالة وتحركاتها داخل القطاع الخاص من وجهة نظر محايدة بعيداً عن وزارة العمل وقراراتها ومؤسسات وشركات القطاع الخاص، بما يعطي مؤشرات شفافة وواضحة لمشكلات العمل لدينا». وتوقع بنون أن يرتفع حجم تكاليف المعيشة داخلياً، مقدراً الارتفاع ب8 في المئة إلى 13 في المئة خلال العام 2013. وكان لمدير مركز إرث للدراسات الاقتصادية الدكتور خالد الحارثي رأي آخر في عام 2012 وقرارات وزارة العمل عندما قال: «كان حافلاً بالقرارات المتتالية الهادفة إلى رفع نسب التوطين للوظائف داخل القطاع الخاص». وأضاف: «إن برنامج نطاقات في مرحلته الثانية وبرنامج حافز ورفع الرسوم العمالية كلها قرارات تصب في دعم الاقتصاد المحلي»، لكنه استدرك بالقول: «إن القرارات على المدى البعيد والمتوسط ستجعل من السوق السعودية بيئة طاردة للاستثمارات، خصوصاً أن قرار زيادة الرسوم على العمالة الوافدة الأخير سيسهم في خروج شركات كثيرة من فئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من سوق العمل». أما أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور وديع كابلي فاعتبر أن قرارات الوزارة المعنية بشؤون العمل والعمال «ستسهم في خفض نسب البطالة»، لافتاً إلى أن ارتفاع نسب السعودة داخل مؤسسات القطاع الخاص وشركاته «سيعمل على نمو الاقتصاد السعودي، ولاسيما أنه سيخفض معدلات تحويلات العمالة للخارج، ويزيد من معدلات دوران الأموال داخل السوق المحلية». ونوّه إلى أن التخوف الوحيد من تلك القرارات هو رفع مستوى الأسعار محلياً، وهذا يتطلب مراقبة مكثفة للأسواق المحلية، بحيث لا يكون الارتفاع كبيراً وغير مدروس، الأمر الذي يتسبب في مشكلات اقتصادية أخرى».