تجتمع عشرات النساء من مختلف الأعمار عدة مرات اسبوعياً في مركز «جمعية النواة» في قرية السعيدات الفلاحية جنوبمراكش المغربية لتلقي دروس محو الأمية التي تثقل كلفتها الاقتصادية والاجتماعية كاهل المملكة. ووسط قاعة الدرس حيث اصطفت نساء طاعنات في السن إلى جانب فتيات شابات، تسود روح الحماسة وهن يتابعن درس اليوم رغم انهن يخفين وجوههن كلما رمقن زائراً غريباً. ويقول عبدالمجيد آيت المكي المشرف على برامج محو الأمية والتربية غير النظامية في جهة مراكش حيث يوجد المركز إن غالبية النساء «يعملن في حياكة الزرابي أو في القطاع الفلاحي برفقة أزواجهن». وبحسب أمينة النويزي رئيسة «جمعية النواة» المشرفة على هذا المركز الذي يعد واحداً من عشرات المراكز المخصصة لمحاربة الأمية في المغرب: «تواظب النساء على حضور الدروس ... على رغم الحشمة وتعب أشغال اليوم». وفتحت هذه الدروس أعينهن على الحياة، كما تقول بعض النساء، وجعلتها تلمع من جديد، فأغلبهن اليوم صرن قادرات على فك رموز وأشياء كانت بمثابة طلامس. ويعتبر آيت المكي برنامج مكافحة الأمية «برنامجاً خاصاً بالمعيش اليومي (...) يلقن المستفيدين المسؤولية داخل الأسرة وداخل الجماعة إضافة الى طريقة الاستفادة من الخدمات وكذلك إنتاج الخدمات». ظروف لا تتحسن بالقدر الكافي بالنسبة إلى المسؤولين والمستفيدين على حد سواء، فنسبة الأمية في المغرب ما زالت مقلقة (30 في المئة)، وتكلفتها الاقتصادية مرتفعة، وقطف الثمار بعيد المنال. ويضيع على المملكة المغربية سنوياً بحسب الأرقام الرسمية 1,5 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي المقدر بنحو 70 بليون يورو، والذي يعد تحسنه أحد أهم الأهداف الإنمائية للألفية. وتعمل اهداف الألفية التي وقع عليها المغرب في قمة الألفية في أيلول (سبتمبر) 2000، على تركيز جهود المجتمع الدولي لتحقيق تحسينات مهمة في حياة الناس بحلول العام 2015، ومن أهمها تعميم التعليم ومحاربة الأمية وتحسين الصحة. وعلى رغم استفادة 6 ملايين مغربي من برامج محاربة الأمية خلال السنوات العشر الأخيرة وبلوغ عدد المستفيدين 735 ألفاً خلال 2012، يظل الهدف المنشود صعب المنال. وتسابق الحكومة الزمن لبلوغ مليون مستفيد سنوياً بحلول 2016 لتحقيق التزامات الألفية. ولبلوغ هذا الهدف تحتاج البرامج الموضوعة، بحسب تقديرات وزارة التعليم المغربية، الى تمويل بنحو 360 مليون درهم (32 مليون يورو) ما بين 2013 و2015. ويساهم الاتحاد الأوروبي الذي يعد أول داعم للمملكة، في تمويل برامج محو الأمية في 11 أكاديمية للتعليم في المغرب من أصل 16، يشملها نظام منح شهادات رسمية خاصة بالتكوين، قد تساعد على ايجاد عمل. لكن الاتحاد الأوروبي يمتنع عن تقديم أجزاء من الدعم في حالات عدم احترام الشروط وتأخر تحقيق الأهداف. ويبقى مصير المستفيدين المشكلة الأساسية في مجال محاربة الأمية حيث تُطرح مشاكل الاندماج في الاقتصاد بخاصة في ظل كثرة العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية. والحكومة الحالية كما يشرح آيت المكي «وضعت برنامجاً جديداً لما بعد محاربة الأمية، يختص بالأنشطة المدرّة للدخل»، وهو نظام حديث شرعت وزارة التعليم في تطبيقه وما زالت نتائجه غير معروفة. وما يزيد من التعقيد ضعف انخراط القطاعات الاقتصادية في محاربة الأمية، حيث لا تتجاوز مساهمتها 3 في المئة، فالأمية وسط المزارعين مثلاً، بحسب الأرقام الرسمية، تفوق 50 في المئة، في وقت تساهم فيه الزراعة ب 15 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي. وليس التمويل السبب الوحيد المؤثر، بحسب محمد بوغيدو مسؤول برنامج محو الأمية لدى الاتحاد الأوروبي. فموازنة محاربة الأمية من مجموع موازنة وزارة التعليم «متواضعة جداً حيث لا تتجاوز نسبة ، بينما المعايير الدولية تحددها في نسبة لا تقل عن 3 في المئة». من جانبه يضيف عبدالمجيد آيت المكي أن «معدل تعويضات المكونين داخل الجمعيات التي تتعاقد معها الوزارة، يصل الى 6000 درهم (540 يورو) للقسم الواحد خلال السنة». وحتى ان أشرف الذي يدرّس قسمين خلال السنة لن يحقق أكثر من 100 يورو شهرياً، وهو «مبلغ ضعيف وغير مشجع» كما يؤكد بوغيدو ل «فرانس برس». وتظل طموحات الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي كبيرة لتدارك هذه الثغرات على رغم خفض موازنة التعليم ب 0,13 في المئة مقارنة مع 2012. وقررت الحكومة في موازنة 2013 تفعيل فكرة «الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية» الموجودة منذ 2007 من خلال إصدار قانون منظم لها لتنسيق جهود الفاعلين في الميدان. وإن كان المغرب قد نجح بحسب الأرقام الرسمية في تحقيق هدف تعميم التعليم بتوفير الدراسة ل 97 في المئة من الأطفال المغاربة، إلا أن 3 في المئة منهم يتركون المدرسة ويعودون الى أحضان الأمية. وعلى رغم جهود المغرب لتحقيق الأهداف الانمائية للالفية، إلا أن تباطؤ الوتيرة في مجالات مثل محاربة الأمية، لم تعد تساعد على تجنب حصول المغرب منذ سنوات على مراتب متراجعة في تقارير التنمية البشرية. وتراجع المغرب بنحو 16 درجة على سلم التصنيف الدولى الذي وضعه تقرير التنمية البشرية للعام 2011، حيث حل في المرتبة 130 من بين 181 دولة، فيما احتل المرتبة 114 في 2010. وسبق لهذه التصنيفات ان تسببت سنة 2010 في أزمة بين المغرب وبرنامج الأممالمتحدة الانمائي المشرف على انجاز تقرير التنمية البشرية حيث اعتبرها المسؤولون المغاربة «مجحفة» بالنظر إلى «الجهود المبذولة». وبالنسبة لإينيكو لاندابورو سفير الاتحاد الأوروبي لدى المغرب فإن «طبيعة الإصلاحات معقدة ومتداخلة، تتطلب صبراً ومثابرة وتضافراً للجهود، مع التركيز على نقاط الضعف لتحقيق الأهداف». وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رسمي) الخاص بالتنمية البشرية في المغرب خلال 2011 فإن «المغرب سجّل تحسناً بنسبة 2,6 في المئة بين 2010 و2011، لكنه تحسن غير كاف لتحسين تصنيفه الدولي».