لم تنحصر أحرف الكتابة التعبيرية بين أطراف الورق بل تجاوزت محيطاً أكبر لتصل إلى حوائط الجدران مصيبة برصاص حروفها التي انطلقت طلقاتها من بين ثنايا الأفكار أو من دوافع نفسية، أنظار قارئيها، وتحولت في الآونة الأخيرة من ظاهرة عشوائية وسلبية تفسد المنظر الجمالي للمدينة إلى وسيلة تنموية للمواهب التي يستفاد منها في تجميل الجدران بعبارات شعرية، أو رسومات جاذبة. «الكتابة على الجدران» ظاهرة اجتماعية قديمة، إذ خضعت «الجدران» منذ القدم ل «معارضة»، «الرأي»، «السخرية»، «الإصلاح»، ليتكون فن من أنواع الفنون، إلا أنها في الآونة الأخيرة سلكت اتجاها مغايراً. وترى المستشارة في الإرشاد التربوي والمدربة في تطوير الذات حصة الزعبي ل «الحياة» أنه بعد أن كانت «الكتابة على الجدران» تستخدم كنوع من المعارضة على الأوضاع والأنظمة في بعض الدول ونوع من الفنون، تحول إلى سلوك عدواني من بعض الشبان ناتج من بعض الانحرافات السلوكية التي دفعتهم إلى بث سمومهم على المارين بكتابة أمور يخجل المرء من قراءتها بسبب الفراغ الذي يعيشونه جراء البطالة، ورغبة منهم في تعويض نقص ما في داخلهم من خلال اختراق القانون الأخلاقي السائد في المجتمع، ما يعطيهم الشعور بالارتياح والتنفيس عن التوتر الداخلي، أو تقليد بعض الشباب لبعضهم الآخر، واعتبارها ظاهرة للتسلية والمرح. وأوضحت الزعبي أن المجتمع بحاجة إلى وعي من خلال الدورات التدريبية، وإعطائهم بدائل التنفيس عن ما يجول في داخلهم عوضاً عن التشويه الذي يحدثونه على المرافق العامة بالكتابة على جدرانها. من جهتها، أكدت عضو هيئة التدريس بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض وفاء العجمي أن ظاهرة الكتابة على الجدران لم تؤت الثمار المرجوّة، إذ إنها ظهرت بشكل غير منظم، مستهينة بحقوق الآخرين بتلويث حرمتهم بالشكل الذي لا يريده صاحب الحائط. وقالت العجمي إن مثل العبارات التي نراها على الجدران لا تعني كاتبها بالدرجة الأولى بقدر ما يعنيه إحساسه بالتعبير عن رأيه وبلوغ كلمته إلى المحيط به، وقد يحمل الكثير من عاشقي هذه الكتابات الكثير من الرقي الفكري والعبارات الجميلة الأدبية. واقترحت مشاركة جميع شرائح المجتمع والفئات العمرية في حملات مكثفة لمدة أشهر، للقضاء على ظاهرة الكتابة على الجدران، خلال فترة عطل نهاية السنة الدراسية، أو الإجازات الموسمية، والتي تتيح مشاركة شريحة واسعة من طلبة المدارس من مختلف المراحل. بدورها، ترى الاختصاصية الاجتماعية حصة الحربي أن الكتابة على الجدران ظاهرة سيئة، تدل على انعدام المسؤولية الاجتماعية، إذ يهدف هذا العمل التخريبي إلى إبراز الذات والتنفيس عن مكبوتات داخلية.