اشتهرت مدينة لوس أنجليس عالمياً باحتضانها منطقة «هوليوود»، عاصمة الصناعة الأميركية السينمائية، غير أنّ ما لا يعرفه كثيرون هو أنّ هذه المدينة هي الأكبر في ولاية كاليفورنيا، وهي المدينة الأميركية الثانية بعد نيويورك. إضافة إلى ذلك، تضم لوس أنجليس متاحف تعد من أهم المتاحف في العالم ومنها «متحف لاكما» أو «متحف لوس أنجليس للفن» الذي يقع في قلب المدينة ويضم مجموعات فنية نادرة تتكوّن من 250 ألف قطعة موزعة على أقسام عديدة تختصر ملامح أساسية من فنون الشرق والغرب. لكن المفاجأة بالنسبة الى الزائر القادم من العالم العربي والإسلامي، هو أن هذا المتحف يضم أيضاً قسماً للفنون الإسلامية يحتوي على تحف أنجزت ضمن رقعة جغرافية شاسعة تمتد من الأندلس حتى آسيا الوسطى. وإذا كانت هذه المجموعة الإسلامية لا تتمتع بشهرة المجموعات الإسلامية المعروفة عالمياً، وأهمها تلك التي نعثر عليها في «متحف اللوفر» و«المتحف البريطاني» و«متحف فيكتوريا أند ألبرت» في لندن و«متحف ميتروبوليتان» في نيويورك، فإنها تؤلّف مجموعة متكاملة وتعرّف بالفنون الإسلامية منذ نشأتها وحتى العصور الحديثة، كما أن التحف المعروضة استثنائية من الناحيتين التاريخية والجمالية. بدأ متحف لوس أنجليس للفن بجمع القطع الفنية الإسلامية بصورة جدية منذ عام 1973، وهو يملك اليوم 1700 تحفة اختيرت أجملها لتعرض للجمهور بحسب تسلسلها الزمني مع نصوص تشرح للزائر دينامية هذه الفنون وخصائصها الجامعة على الرغم من توزعها على مساحة جغرافية شاسعة تشمل ثلاث قارات. تؤكد النصوص التي ترافق الزوار لدى توقفهم أمام واجهات التحف، على الإنجازات البصرية الفريدة التي حققها الفنانون المسلمون عبر العصور وخلال مرحلة زمنية طويلة تجاوزت الألف عام. ويعد فن الخط العربي أول هذه العناصر الجامعة بين الإبداعات الإسلامية وهو حاضر بقوة في الفنون الدينية والدنيوية. فالخط العربي لا يطالعنا فقط ومنذ نشأة الفنون الإسلامية في المصاحف الشريفة بل أيضاً في التحف المعدنية والخزفية. ونتعرف في المتحف على نماذج نادرة ومنها صحن يعود الى المرحلة العباسية، وهو من إنتاج محترفات نيسابور في إيرانالشرقية. ونيسابور التي سمّاها المؤرخ «باب الشرق» لأنها كانت المعبر الذي يقصده أهل العراق وآسيا الصغرى في طريقهم الى الهند والصين، أنتجت خلال المرحلة العباسية خزفاً فريداً تميز باعتماده اللونين الأسود والبني، على خلفية بيضاء. أما الزخارف فارتكزت على الكتابة العربية المنفّذة بالخط الكوفي بحيث بدت الصحون وكأنها لوحات تجريدية تتحرك خطوطها وتتماوج وفق إيقاع موسيقي. من المرحلة العباسية أيضاً، يملك القسم الإسلامي نماذج نادرة من القطع الخزفية المزخرفة بتقنية البريق المعدني، وقد عكست هذه التقنية التي أنتجتها محترفات سامراء وسوسة في العراق والفسطاط في مصر ازدهار العلوم في مرحلة الخلافة العباسية، فالزخارف كانت ترسم بالأكاسيد المعدنية التي تتحول عند إدخالها الى الأفران وتسويتها، إلى طبقة معدنية رقيقة جداً ويصبح لون البريق المعدني إما ذهبياً أو بنياً أو أحمر، حسب المزيج الكيميائي. ويستوحي الخزافون زخارفهم من الخط العربي والأشكال النباتية وصور البشر والحيوانات. لا تنحصر روائع الفنون الإسلامية في «متحف لوس أنجليس للفن» في القطع الخزفية، بل هي تشمل أيضاً كل الأشكال التي تجلى فيها الإبداع الإسلامي، ومنها رسوم المخطوطات والمعادن والزجاج والخشب المنحوت. وتؤكد هذه التحف على حضور المشاهد التصويرية المستوحاة من البشر والحيوانات وغيرها من عناصر الطبيعة في الفنون الدنيوية، وتطالعنا في المخطوطات الأدبية، ومنها «كتاب الملوك» للشاعر الفردوسي، كما تعكس ما كانت تزخر به مكتبات السلاطين والأمراء والطبقة الثرية. هناك أيضاً التحف المعدنية، ومن أجملها تلك التي أنجزت في منطقة خراسان في القرن الثاني عشر وخلال المرحلتين الأيوبية والمملوكية في مصر وسورية. تتميز هذه التحف أولاً باعتمادها على تقنيات رفيعة في استعمال المعادن المختلفة كالنحاس والفضة والذهب، وهي تشمل الأباريق والأواني والشمعدانات، أما الزخارف فتقوم على عبارات الخط العربي التي تختلط بمشاهد تصويرية مستوحاة من حفلات الطرب ومجالس الملوك، بالإضافة إلى صور الأبراج والكواكب، وهي تعكس أهمية علوم الفلك في الحضارة الإسلامية. ولا بد من الإشارة إلى أن القسم الإسلامي في «متحف لوس أنجليس للفن» تمكّن من جمع هذه التحف النادرة بفضل الهبات من جهة، ومن جهة ثانية باقتنائه مجموعات خاصة كما حصل عام 2002 عندما اقتنى المجموعة الإسلامية التي كان يملكها الأكاديمي السوري معن مدينة الذي عمل سنوات طويلة أستاذاً في قسم اللغات الشرقية في جامعة كولومبيا. وكانت مجموعته مؤلّفة من 775 تحفة صنعت في سورية ومصر والعراق والأندلس ما بين القرن السابع والقرن التاسع عشر.