ليست المرة الأولى التي يخوض فيها رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي مواجهة مع خصومه، وقد وجهت إليه اتهامات كثيرة بتشييد حكمه، الذي دخل سنته الأخيرة، عبر فتح الجبهات وتوسيع الأزمات لضمان البقاء في السلطة، لكن قيادة المعارك مع السياسيين تختلف عنها مع رجال دين مؤثرين يمتلكون قدرة حشد الشارع. وفيما صعد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر حملته على المالكي وتوعده ب «ربيع عراقي»، هدد الأخير بتفريق التظاهرات بالقوة. ومع عودة رجل الدين البارز عبد الملك السعدي إلى العراق والالتحاق فوراً بالتظاهرات التي تتسع في المدن السنية، تؤكد المصادر أن الوقت لن يطول قبل التحاق أنصار الصدر بها في المدن الشيعية. وغيَّر السعدي منذ عودته توجهات المتظاهرين في الأنبار ومدن اخرى، فسعى الى نزع الشعارات ذات الطابع الطائفي، وأعلام النظام السابق، ومنحها زخماً وطنياً، ودعا المراجع الشيعة الكبار إلى مباركتها. ويسعى المتظاهرون في الأنبار وعدد من المدن إلى إطلاق تسمية «طريق الحسين» على مليونية دعا إليها رجال الدين والعشائر، في رسالة واضحة لتشجيع الصدر على اللحاق بالمناوئين لسياسة المالكي من رجال الدين، فيما دعا منظمو التظاهرات إلى صلاة موحدة في كل المدن العراقية باسم «جمعة الصمود على نهج الإمام الحسين». ويبدو أن الصدر تجاوب مع هذه الرسالة، وقال خلال مؤتمر صحافي امس، إن ما منعه من الالتحاق بتظاهرات الأنبار التي أعلن تاييده لها لم يكن سوى «رفع المتظاهرين صور صدام حسين» في الأيام الأولى للتظاهر. الصدر الذي وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى المالكي امس، اتهمه بتحويل العراق الى «مسخرة»، ودعاه الى الاستقالة قبل أن يطلب إجراء انتخابات مبكرة، وتوعده ب «ربيع عراقي». ولم يقطع رجل الدين الشيعي الذي يحتشد حوله مئات الآلاف من ابناء الطبقات الفقيرة والمهمشة ولم يتغير واقعها منذ عام 2003، لم يقطع اتصالاته بالقطب الكردي البارز مسعود بارزاني، الذي دعم بدوره تظاهرات الأنبار واعتبرها «انتفاضة». ويقول مقربون من الصدر ان ما يخشاه هو تسلل «بعثيين» و «إرهابيين» إلى حركة الاحتجاجات السنية، ما يحول دون اي حراك شيعي مقابل، ولكن هؤلاء يكشفون في المقابل أن «اتصالات يومية تجري بين الصدر ورجال الدين السنة، تمهد للقاءات قد تغير نمط المعادلات السياسية الحالية». وعلى رغم أن المالكي، الذي يواجه أحد اكبر التحديات منذ تسلمه السلطة عام 2006، حاول تقديم تنازلات عبر رجال دين سنة التقاهم أخيراً، مثل عبد المهدي الصميدعي وخالد العطية، وإعلان الأخير نية المالكي إطلاق 700 سجينة بعفو خاص لا يشمل نحو 200 متهمة بقضايا إرهابية، استجابة لطلبات المتظاهرين، لكن ذلك لم يؤثر في زخم التظاهرات. ويبدو أن المالكي يستخدم العصا والجزرة في تعاطيه مع التظاهرات، ففيما أعلن نيته إطلاق السجينات نزولاً عند مطلب المتظاهرين، تشدَّد في مخاطبتهم عندما قال: «لا تتصوروا (أنه) صعب على الحكومة أن تتخذ إجراء ضدكم أو أن تفتح الطريق وتنهي القضية، ولكن عليكم أن تعلموا أن الوقت ليس مفتوحاً وعليكم التعجيل في إنهاء هذا الموضوع، وأحذركم من الاستمرار لأنه مخالف للدستور». ولم ترفع شعارات التظاهرات، حتى الآن، مطلباً بإقالة الحكومة، لكن ذلك لن يكون بعيداً في حال شهدت مدن شيعية تظاهرات مشابهة. ولم يصدر حتى اليوم موقف من المرجعية الشيعية العليا في النجف من التظاهرات، لكنها ممثلة بآية الله علي السيستاني كانت أبدت في وقت مبكر استياء من توجهات الحكومة وقررت مقاطعة الطبقة السياسية بأسرها، وهذه المقاطعة لن تشمل رجال الدين السنة الذين ينوون زيارة السيستاني على ما أكد مقربون منهم.