أعلن مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يوم أمس أكبر وأضخم موازنة تشهدها البلاد في تاريخها الحديث. وكعادتها قدرت الإيرادات المتوقعة للعام المقبل 2013، بتقديرات متحفظة لأسعار النفط، وجاءت تقديرات الإيرادات 829 بليون ريال، في مقابل نفقات قدرت ب820 بليون ريال، وبفارق متوقع يبلغ 9 بلايين ريال فقط. ما يهم عند النظر لأرقام موازنة 2013 هو جانب النفقات، فهو الجانب المقرر لصرف وزارات الحكومة وصناديقها، وبالنظر إلى الرقم وهو 820 بليون ريال، فهو رقم تاريخي غير مسبوق، ويفوق كثيراً ما قرر للنفقات في موازنة 2012، الذي كان مقدراً ب690 بليون ريال. ما يعني أن النفقات زادت في موازنة 2013 بمقدار 130 بليون ريال عن نظيرتها في موازنة 2012، ما يعني أن نفقات أكبر وجهت إلى مشاريع وتوظيف وتنمية أرجاء الوطن. مخصص نفقات وإيرادات الوزارات والصناديق المتخصصة، يوضح أيضاً أن وزارات الدولة التي يرتبط عملها بحياة ورفاهية المواطن مباشرة زيدت مخصصاتها بدرجات جيدة. فالتعليم والتدريب استحوذ على النصيب الأكبر من النفقات، ونال ربع مخصص النفقات في الموازنة الجديدة، وبزيادة نسبتها 21 في المئة عن نفقاته المماثلة في 2012. الخدمات الصحية والاجتماعية نالت 100 بليون ريال، بزيادة 16 في المئة عما خصص لها في 2012. وتمثل نفقات التعليم والصحة ما يصل إلى 37 في المئة من إجمالي نفقات الموازنة، كما نالت الخدمات البلدية والنقل بالمثل نصيبهما من الزيادة في النفقات بنسب مختلفة. نقطة أخرى يجب النظر إليها بعناية، وهي مخصصات الصناديق التنموية، حيث خصص لها 68.2 بليون ريال، وهذه النفقات ضرورية وحيوية لدعم النشاط الإنتاجي الزراعي والصناعي والعقاري، وهذه الصناديق هي الداعم الأول لاستثمار المواطن من خلال توفير الدعم الميسر له لبدء مشروعه الإنتاجي، والسداد الميسر على أعوام طويلة. على اليد الأخرى، وبالنظر إلى ما تحقق فعلياً في موازنة 2012، التي تطوي سجلاتها بعد يومين، نجد أن الإيرادات فاقت كثيراً ما كان متوقعاً لها في بداية العام، فالمتوقع عند إعلان موازنة 2012 في العام الماضي كان لا يجاوز 702 بليون ريال، إلا أن ما تحقق فعلياً بلغ 1.239 تريليون ريال. أي أن الفارق بين المتوقع بداية العام وما تحقق فعلياً بلغ 537 بليون ريال، وهو رقم ضخم وكبير. وفيما يخص مصروفات عام 2012، فقد زادت بدورها إلى 853 بليون ريال، وهي التي كان مقدراً لها ألا تتجاوز 690 بليون ريال في بداية العام، وهذه الزيادة بين المقدر وما تم صرفه فعلياً في 2012، بررته وزارة المالية بصرف راتب الشهر ال13 (صفر)، وهو الفارق بين اعتماد الموازنة للتاريخ الميلادي، وصرف رواتب الموظفين اعتماداً على التقويم الهجري، إضافة إلى زيادة الصرف على الأعمال التنفيذية المتعلقة بمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسعة المسجد الحرام، واستكمال تعويضات نزع ملكية العقارات وتوسعة المسجد النبوي الشريف، وغيرها من المصروفات التي لم تتضمنها بنود النفقات عند إعلان موازنة 2012. الزيادة في النفقات عن المقرر لها قلصت الفائض الفعلي إلى 386 بليون ريال، وهو فائض كبير بكل المقاييس، ويزيد ب90 بليون ريال عن نظيره في بنهاية 2011 البالغ 296 بليون ريال. اقتصادياً، يهمنا النظر والتوقف كثيراً عند بند المصروفات على المشاريع، وهو بند التراكم الرأسمالي الذي يهم الاقتصاديون كثيراً، فهذا البند هو الذي يخلق فرص العمل والتوظيف والنمو الاقتصادي المستمر، وهذا البند قدرت مصروفاته للعام المقبل ب285 بليون ريال، في مقابل 265 بليون ريال للعام الذي ينتهي الجمعة المقبل، وهذان الرقمان وما سبقهما في موازنات الأعوام السابقة يأتي دعمهما تأكيداً لحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على استكمال مشاريع البنية التحتية، وتحسين نمو وتنمية الوطن والمواطن. الرقم الأخير الذي يستحق الإشادة في إعلان الموازنة أمس، هو انخفاض الدين العام إلى أقل من 100 بليون ريال للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، ولا شك أن انخفاض الدين العام سيعطي الحكومة فرصة التركيز على توجيه الفوائض المتراكمة من أعوام الطفرة التسعة الماضية على نمو وتطوير وبناء المشاريع التحتية والتنموية في كل شبر من أرجاء الوطن، ولا شك أن خفض الدين العام، وزيادة بند التراكم الرأسمالي هما أبرز ما يميز ملامح الاقتصاد الطامح إلى الانطلاق نحو الريادة والتقدم. أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.