واجهت صناعة النفط العالمية تحدياً مهماً خلال 2012 تمثّل في التهديدات المستمرة لانقطاع إمدادات النفط من الخليج بسبب أزمة الملف النووي الإيراني، واحتمال إغلاق إيران مضيق هرمز الحيوي، ناهيك عن الدمار الناتج عن الإعصار «ساندي» الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة، والنقص في الإمدادات الذي ألحقته بمصافي التكرير ومحطات الكهرباء في إحدى أكثر مناطق العالم استهلاكا للطاقة. وواجهت الصناعة النفطية خطر تدهور الطلب على النفط بسبب الأزمة المالية العالمية، لكن الملفت على رغم احتمال أن تؤدي هذه التحديات إلى زيادة الأسعار بسرعة أو انخفاضها عن المستوى المطلوب من المنتجين (نحو 100 دولار للبرميل)، استقرت أسعار النفط من ضمن نطاق معقول، ما بين 108 - 111 دولاراً لبرميل «برنت» خلال معظم 2012. وسيسجَّل أن عام 2012 من السنوات الحاسمة في تاريخ الصناعة النفطية العالمية، إذ سيغير النظرة نحو مبدأ الأمن النفطي والتي هيمنت على التفكير السائد عند السياسيين والمراقبين منذ المقاطعة النفطية العربية عام 1973، فعلى رغم سيطرة أزمة الملف النووي الإيراني على الأسواق طوال العام، وصدور تهديدات أسبوعية بإغلاق مضيق هرمز، حافظت «أوبك» على سياستها الإنتاجية المشتركة، فراوح إنتاج دول المنظمة حول نحو 30 مليون برميل يومياً، أي ما يقارب سقف الإنتاج المتفق عليه خلال العام. والسبب في استقرار الأسعار من ضمن نطاق ثلاثة دولارات هو دور الدول المنتجة الكبرى في الخليج، خصوصاً السعودية وكذلك الإمارات والكويت، في استعمال الطاقات الإنتاجية الفائضة المتوافرة لديها لمنع أي خلل في الميزان العالمي للعرض والطلب على النفط. وتبرز كذلك مصداقية هذه الدول في الأسواق على صعيد التزامها تحمل هذه المسؤولية، بالإضافة إلى خبرة الأسواق بالإمكانية الفعلية لهذه الدول في استعمال هذه الطاقة الفائضة عند الحاجة. لذلك استقرت الأسواق خلال العام، وتفادت هزة اقتصادية كبرى نتيجة زيادة سريعة وعالية جداً في الأسعار كما كان متوقعاً عندما فرضت الدول الغربية حظراً اقتصادياً على صادرات النفط الإيرانية ما أدى إلى انخفاضها نحو مليون برميل يومياً. وتفاقم الخوف من أن تتزامن أي زيادة سريعة وعالية في الأسعار مع أزمة الديون السيادية الأوروبية التي لا تزال تتفاعل، بما يضاعف الانعكاسات السلبية على الاقتصاد العالمي. وفي الوقت ذاته، تخوفت الدول المصدرة للنفط من إمكانية انهيار الأسعار إلى ما دون مستوى 100 دولار للبرميل، وهو المستوى السعري الذي اعتمدته بعض الدول النفطية لموازنات عام 2012. ومما أدى إلى تفاقم المخاوف هو التباطؤ النسبي في اقتصاد الصين، إلى جانب الأزمات في دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. لكن يبدو أن استمرار الخوف من احتمال مواجهة عسكرية لحل أزمة الملف النووي الإيراني استمرت مهيمنة على الأسواق، فاستقرت الأسعار في نطاق 108 - 111 دولاراً لبرميل نفط برنت. ويتوقَّع أن تلعب معظم العوامل التي أثرت في أسواق 2012 دورها عام 2013. فيرجَّح من جهة استمرار تباطؤ الطلب في الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة، لكن يتوقَّع تحسن في النمو الاقتصادي الصيني، وهذا بدأ فعلاً أخيراً، ويتوقَّع استمراره، ما يعزز احتمال استقرار الطلب على النفط في 2013 على مستويات قريبة من مستويات 2012 أو أعلى منها. وفي الوقت ذاته، قررت «أوبك» الحفاظ على مستويات إنتاجها، كما أن الإنتاج من الدول خارج المنظمة في حال من التوازن كما هو في العام الحالي، فهناك زيادة ملحوظة في الولاياتالمتحدة بفضل إنتاج النفط الصخري، لكن يقابلها نقص في الإنتاج من كل من البرازيل والنرويج وبريطانيا. ويتوقَّع في الوقت ذاته أن تستمر أزمة الملف النووي الإيراني مهيمنة على الأسواق، خصوصاً في حال فوز اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو في انتخابات الكنيست المقبلة، وعلى رغم الكلام عن مفاوضات سرية أميركية - إيرانية. ويتوقَّع أن تصاحب هذه المفاوضات فترات صعبة وضغوط إسرائيلية لإخفاقها، وهذه العوامل ستترك بصماتها على أسعار النفط. لكن على رغم هذه المخاوف وارتفاع الأسعار الذي ينتج عنها، ستبقى تجربة 2012 الناجحة في توازن العرض والطلب مؤشراً إلى إمكانية تجاوز التصريحات المهددة لإغلاق مضيق هرمز، خصوصاً مع توافر مخزون إستراتيجي لدى الدول الصناعية يكفي ل 60 - 90 يوماً لكل دولة عضو في وكالة الطاقة الدولية، ناهيك عن المخزون التجاري الذي جمعه بعض الدول المنتجة قرب مناطق الاستهلاك في أميركا الشمالية وأوروبا وجنوب شرقي آسيا. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية