أعطت المادة الرابعة من المعاهدة الدوليّة لحظر انتشار الأسلحة النوويّة للدول كافة، حقّ الحصول على التكنولوجيا النوويّة لاستخدامها سلميّاً. انطلاقاً من هذا الحق، شهد العراق عام 2012 تجدّد الدعوات المنادية بضرورة ان تساعد المنظمات الدولية العراق في استخدام الطاقة الذريّة للأغراض السلميّة. ما بعد قصف «أوزيراك» ثمة ظروف عاشها العراق خلال العقود الثلاثة المنصرمة، رسمت علاقته مع برنامجه النوويّ الذي تعود بداياته إلى خمسينات القرن الماضي، لكنه عانى أزمات قاتلة، إذ تعرّض العلماء الرواد في هذا الميدان الى تصفيات جسديّة. وقُصِفَ أول مفاعل نوويّ عراقي، (مفاعل تموز-أوزيراك) في غارة إسرائيلية دُمّرته عن بكرة أبيه، في 7حزيران (يونيو) 1981. ولم تفلح جهود النظام السابق في استكمال بنائه، على رغم إمعانه في عَسكَرة المجتمع العراقي. وبعد غزوه الكويت في 1990، فُرِضَت عقوبات قاسيّة على العراق، شملت نشاطاته النوويّة كلها، حتى السلميّة منها. واستمر الحظر سنوات طويلة، كان بمقدور العراق استغلالها في مراكمة خبرات ومعارف واسعة تفيده في جوانب التنمية كافة. وهكذا أدّت سياسات النظام السابق عملياً إلى تعطيل البرنامج النوويّ العراقي، بل أرجعت البلد نصف قرن الى الوراء علميّاً. ومع غزو العراق وسقوط النظام السابق في 2003، أصدرت سلطة الائتلاف الموقّتة أمراً قضى بحل «هيئة الطاقة الذريّة العراقية»، ونقل موظفيها الى وزارة العلوم والتكنولوجيا التي كانت في طور التأسيس. ولم تشمل هذه الوزارة قسم للطاقة الذرية! وبجرّة قلم، قُضِيَ على أهم مجالات البحوث العلمية في العراق، وهو المتّصل بعلوم الذرّة وطاقتها. وحينها، بادرت «المجلة العلمية العراقيّة» إلى انتقاد القرار، مشدّدة على أهمية بحوث الذرّة علميّاً، خصوصاً مع الأهمية المتصاعدة للطاقة النووية. وأشارت المجلّة إلى أن الدول المتطوّرة كافة تملك هيئات للطاقة الذرية، وتحصل على ما يتراوح بين 40 و70 في المئة من حاجاتها كهربائياً من مفاعلات نوويّة، بل تتجاوز فرنسا هذا الرقم بكثير. وبعد ذلك القرار، شهد العراق حملة تصفيات جسدية لعلماء كُثُر، في مقدمهم الاختصاصيون بالطاقة النوويّة، بل اضطر من نجا من القتل والاعتقال، الى مغادرة العراق. وتعرض الباقون إلى التهميش وسوء المعاملة. ويصعب ألا تكون هذه الأمور مقصودة، بل مرسومة وِفقاً لأجندات أجنبية، أحّلت عناصر فاشلة وغير كفوءة محل الكفاءات العلمية المؤهُلة والمُجرّبة. وحاضراً، تستند المناداة بحق العراق في استعمال الطاقة النوويّة للأغراض السلميّة، الى حاجته إليها، وحقّه المكفول بالمعاهدات الدوليّة، وقرار مجلس الأمن في 2007 الذي أوقف نشاطات الرصد والتحقّق والمتابعة، وقراره في 2010 الذي أكّد عدم وجود نشاط غير سلميّ للعراق، وسمح له بمزاولة نشاطاته سلميّاً في مجال الطاقة الذريّة، إضافة إلى مصادقةُ العراق على البرتوكول الإضافي، الملحق باتفاقية الضمانات الشاملة في 28 حزيران 2012 بعد أن التزم العراق بتطبيقه طوعاً منذ العام 2010. وفي هذا الصدّد، شدّد يوكيا أمانو المدير التنفيذي ل «الوكالة الدولية للطاقة الذريّة» على سلامة الموقف العراقي، خصوصاً بعد دخول البروتوكول الإضافى لمعاهدة منع الانتشار النووي، حيّز التنفيذ في العراق. قوانين لسلام النووي وصادق العراق على قانون «هيئة الرقابة الوطنية لمنع الانتشار النوويّ» في 16 شباط (فبراير) 2012، الذي يضمن عدم إنحراف النشاطات السلميّة النوويّة إلى نشاطات محظورة. وفي السنة السابقة، صادق أيضاً على «الاتفاقيّة الدوليّة لقمع أعمال الإرهاب النوويّ». ومن المؤمل أن يصوت مجلس النواب العراقي قريباً على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوويّة، التي وقّعها العراق عام 2010. وفي الإطار نفسه، أنجزت الجهات المختصة مشروعي قانوني «الهيئة الوطنية للرقابة النوويّة والإشعاعية»، و «هيئة الطاقة الذريّة العراقية». وكذلك أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا عن استكمال قانون هيئة الطاقة الذرية، بتفاصيلها وتشكيلاتها كافة، خصوصاً بعد أن باتت هيئتا «الطاقة الذريّة العراقيّة» و «هيئة الرقابة الوطنية» تابعتين لها. في السياق ذاته، يتعاون العراق عملياً مع جهات متعددة لتطوير قدراته في مجال الاستعمالات السلميّة للطاقة الذرية، في مقدمتها «الوكالة الدولية» و «الهيئة العربية للطاقة الذريّة» و «الاتحاد الأوروبي» الذي ساهم في تدريب عشرات الكوادر النوويّة العراقية. كما أكّدت الحكومة العراقية سعيها لإنشاء برنامج نوويّ لاستخدام للطاقة الذرية سلميّاً في الزراعة والصناعة والطب، عبر قرار لمجلس الوزراء عام 2011. وأعلنت وزارة البيئة العراقية أيضاً، في أيلول (سبتمبر) 2012، عن جهود تبذل لإنشاء محطات تعمل بالوقود النوويّ لتوليد الطاقة الكهربائية، باعتبارها محطات خفيضة التلوّث والتكلفة. في المقابل، أوضح فؤاد الموسوي رئيس «اللجنة الوطنية للطاقة الذرية» أخيراً، ان العراق لا يستطيع الانخراط في برنامج سلميّ للطاقة النوويّة، نظراً لوقوعه حتى الان تحت طائلة البند السابع، ما جعله يتجه إلى تصفية مفاعلاته النوويّة المقصوفة. وكذلك نبّه رائد فهمي، وهو الوزير السابق للعلوم والتكنولوجيا، إلى وجود قرارات دوليّة اخرى كالقرار 707، حجّمت حق العراق السيادي في الاستخدام السلميّ للطاقة الذرية. وأضاف فهمي: «قطع العراق أشواطاً كبيرة، خلال السنوات الماضية، في طريق إزالة المخاوف المتراكمة من سياسات النظام السابق. وفي هذا الشأن، طرح كثيرون من العراقيين سؤالاً عن إمكان أن تبني أميركا مفاعلاً نوويّاً في العراق، يعمل على استخراج طاقة الكهرباء، مع الاستعانة بمهندسين وفيزيائيين عراقيين كي تُبنى الثقة بين الطرفين، قبل أن يتسلّمها العراقيون كليّاً. الهجرة إلى...اليابان في سياق متّصل، دعا خبير العلوم النوويّة د.حامد الباهلي الى إنشاء مفاعلات نوويّة سلميّة لتوفير الطاقة الكهربائية، استناداً إلى ما يمتلكه العراق من قدرات وإمكانات بشرية. وقال: «أصبح من الضروري إنشاء مفاعلات نوويّة للطاقة الكهربائية بوصفها حلاً لأزمة هذه الطاقة في البلاد، إضافة إلى إمكان تصديرها الى الخارج في المستقبل». وكذلك دعا مقرّر مجلس النواب العراقي محمد الخالدي الحكومة العراقية الى تشييد مفاعلات نوويّة للاستخدام السلميّ بهدف سدّ العجز الكبير في طاقة الكهرباء عراقياً. وذهب د. حسين الشهرستاني، وهو نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة، إلى الحديث عن رغبة العراق في استيراد التقنية النوويّة للأغراض السلميّة من اليابان. وأّكد فارس الربيعي، وهو خبير في هذا الشأن، أن العراق يستطيع أن يصبح مُصدّراّ لطاقة الكهرباء المستولدة نوويّاً، نظراً الى ما يمتلكه من مقومات في إنشاء محطّات نوويّة، على غرار ما تتجه إليه الأمور في الإمارات والكويت. وقال: «نحتاج إلى تخطيط سليم وإرادة قوية للإقدام على تنفيذ مشاريع عملاقة على غرار المفاعلات الذريّة، عبر الاستثمار السليم للموارد المحليّة». وبقول مجمل، يبقى العراق ملتزماً بحقّه في الحصول على تقنية نوويّة لإستخدامها للاغراض السلميّة، مع ملاحظة امتلاكه إمكانات تؤهّله للحصول على تلك التقنية التي من شأنها دعم التقدّم في العلوم والصناعة، بحسب رأي علي الفيّاض، عضو اللجنة البرلمانية للنفط والطاقة. وحض الفيّاض على مواكبة التطوّر العالمي في هذا المجال، مشيراً إلى الترابط بين تقدّم البحوث والأعمال المتّصلة بالطاقة النوويّة، إضافة إلى الاستفادة من هذه الطاقة في توليد الكهرباء التي تخدم أنواع الصناعة كافة، مُطالباً بأن يتمسّك العراق بحقة قانونيّاً في الحصول على هذه الطاقة وتقنياتها. وتبقى هذه الآمال رهناً بأن يشهد عام 2013، إخراج العراق من البند السابع، وإلغاء القرارات التي تحجّم حقّه المشروع في إستخدام الطاقة الذريّة لأغراض سلميّة. * أكاديمي عراقي