تبنى مجلس الأمن قراراً بنشر قوة تدخل في مالي ولكن على مراحل، ومن دون تحديد جدول زمني لاستعادة شمال هذا البلد الذي يسيطر عليه متشددون. لكن القرار الذي تبناه المجلس بالإجماع ليل الخميس – الجمعة، أعطى أولوية للحوار السياسي الذي يبدو انه «لا يحظى بشعبية» واسعة لدى الرأي العام في العاصمة المالية باماكو، نظراً إلى شعور بأن «أزمة الشمال» لن تنتهي إلا بنهاية التمرد الانفصالي الطوارقي المستمر منذ خمسة عقود. ورحب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وهو من أشد المتحمسين لفكرة التدخل، بالقرار الذي اعتبر أنه «يغيّر كل شيء» في الوضع القائم في مالي. لكنه أقر بأن التدخل العسكري «ليس وشيكاً»، موضحاً أن القرار «يتيح الحوار السياسي، وإذا استمر احتلال (المتشددين) لشمال مالي سيمكن الأفارقة وحدهم» القيام بتحرك عسكري بدعم دولي. ولفت هولاند إلى أن دور فرنسا «هو محاربة الإرهاب ومنع أي تجمع إرهابي، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أي القاعدة، من الاستقرار في جزء من الأراضي المالية وشن عمليات لزعزعة استقرار بلدان أخرى». واعتبر موفد الأممالمتحدة إلى منطقة الساحل رومانو برودي، الذي يواصل جولة على غرب أفريقيا، أن التحضير لعمل عسكري ينبغي أن يكون «ذا صدقية»، داعياً إلى استكشاف «كل السبل سعياً إلى السلام، قبل البدء بالعمل العسكري». وراهن مجلس الأمن في قراره على إعادة بناء الجيش المالي الذي تعرض لانقلاب وهزيمة في الشمال، وهو رهان صعب، نظراً إلى ضعف قدرات العسكريين الماليين والحظر الدولي على واردات السلاح إلى بلادهم، في ظل مخاوف من تعزيز العسكر سيطرتهم على الحياة السياسية. ونص قرار مجلس الأمن الذي حمل الرقم 2085، على «أن تنتشر في مالي لفترة أولية تمتد لسنة، قوة دولية لدعم مالي بقيادة أفريقية». وكان الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، طالبا بإرسال هذه القوة التي سيقودها الأفارقة، وتحظى بدعم الدول الغربية. ودعا القرار باماكو أولاً إلى فتح «حوار سياسي لإعادة النظام الدستوري في شكل تام» وإجراء انتخابات قبل نيسان (أبريل) 2013». وتشكل هذه الأجندة الزمنية لإجراء انتخابات «عائقاً» كبيراً أمام الحكومة، باعتبار أن الانتخابات لن تشمل ثلثي الأراضي المالية التي تحتلها جماعات بعضها مرتبط ب «القاعدة» وأخرى تطالب بتطبيق الشريعة لكنها ترفض «الإرهاب الدولي»، إضافة إلى الانفصاليين الطوارق. في المقابل، يضع الجيش المالي شروطاً لأي حلول سياسية أو عسكرية لاستعادة أراضي الشمال، ويحاول قادته الحصول على تجهيزات تقنية غربية تساعده في «قيادة العملية بوجود قوات دولية أو بغيرها». ودعا القرار إلى إعادة بناء الجيش وتدريب الوحدات الأفريقية التي ستشارك في القوة الدولية تمهيداً لاستعادة السيطرة على الشمال. واشترط أن يبدي مجلس الأمن «رضاه» عن جهوزية هذه القوة انطلاقاً من معايير محددة (التدريب وفاعلية البنية القيادية والتجهيز والتكيّف مع الميدان) قبل أن تتمكن من الانتشار في شمال مالي. وحض القرار الحكومة المالية الجديدة على إجراء مفاوضات «ذات صدقية» مع المجموعات الموجودة في شمال البلاد، خصوصاً الطوارق، الذين طالبهم المجلس بفك ارتباطهم ب «المنظمات الإرهابية» التي تسيطر على المنطقة، وفي مقدمها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا». ولا يعارض رئيس الوزراء المالي دجانكو سيسوكو الحوار مع حركتي «أنصار الدين» و «تحرير أزواد» الطوارقيتين في الشمال، لكنه يريد تعهدهما «دعم أي عملية للجيش المالي ضد الإرهابيين في حال بدأت عملية تحرير الشمال». ويدرك سيسوكو أن بين أسباب إطاحة الجيش سلفه شيخ موديبو ديارا، تبرؤَه العلني من جولة حوار جرت مع الحركتين في واغادوغو.