لا يعد وزير المال العراقي والقيادي في القائمة «العراقية» رافع العيساوي من أكبر خصوم رئيس الوزراء نوري المالكي السنة، فطوال الشهور التي أعقبت توجيه اتهامات الإرهاب إلى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، التزم العيساوي الصمت وفضل إظهار طابع «مهني» لعمله، حتى أنه كان من أشد المدافعين عن خطط المالكي الاقتصادية التي رفضها البرلمان والخاصة بعمليات «الدفع الآجل». إلا أن صمت العيساوي لم يشفع له «طويلاً» بعد توجه قوة عسكرية لاعتقال عناصر حمايته (اختلفت الأرقام حولهم بين 10 أشخاص و 150 شخصاً) بتهم تنفيذ عمليات إرهابية والعلاقة بمجموعات مسلحة، في سيناريو يكاد يكون متطابقاً مع ذلك الذي أحاط بقضية الهاشمي، وهو ما أشارت إليه النائب عن «العراقية» وحدة الجميلي محذرة من تكرار «الاستهداف السياسي». وفي مقابل تأكيد القوى الأمنية العراقية قبل أكثر من عام أن اعتقال شخص على علاقة بالهاشمي كان مفتاحاً لكشف قيادة الأخير «مجموعة إرهابية من عناصر حمايته»، فإن الناطق باسم مجلس القضاء العراقي يؤكد أن اعتقال آمر فوج حماية الوزير العيساوي، وهو ضابط برتبة عقيد، كان مدخلاً لإصدار مذكرات اعتقال بحق عناصر الحماية، فيما تتسارع التوقعات عن قرب إصدار مذكرة اعتقال بحق العيساوي نفسه. والأخير وصف القوة التي نفذت عملية الاعتقال أول من أمس بأنها «ميليشياوية»، ما أثار استياء المالكي الذي دافع في بيان عن تلك القوات وعن مذكرات القبض و «الإجراءات القانونية» محذراً العيساوي والقيادات السنية من «العزف على وتر الطائفية» و «إثارة الفتنة». كان بيان المالكي من حيث المبدأ «حاسماً» في رد تكهنات أطلقتها قيادات سنية ووسائل الإعلام عن احتمال عدم علم المالكي بعملية الاعتقال التي تمت في منزل العيساوي في المنطقة الخضراء المحصنة وداخل وزارة المال العراقية، لكن إشارته إلى السعي لترويج «الفتنة» كانت ترد على تظاهرات انطلقت صباح أمس في مدن الأنبار وسامراء والفلوجة السنية وبيانات صدرت عن هيئات دينية سنية وقيادات مثل أسامة النجيفي وصالح المطلك للتنديد بالعملية واعتبارها استمراراً لمنهج استهداف الرموز والقيادات السنية في العراق، وعدها مفتي الديار العراقية الشيخ رافع العاني «استهانة بالمكون، وتصرفات مارقة». وذلك «الاستهداف» كان بدوره مناسبه ليؤكد القيادي السني المحكوم بالإعدام طارق الهاشمي أن على «العراقية» أن لا تتخلى عن العيساوي كما تخلت عنه، مذكراً بأن «المالكي لن يهدأ له بال، حتى يستهدف جميع من يختلفون معه» فهو «لا يريد شركاء أنداداً بل اتباعاً أذلاء». وعلى رغم إظهار العيساوي والنجيفي في مؤتمر صحافي بمنزل الأخير غضبهما ومطالبتهما بإقالة المالكي، إلا أن إشارتهما إلى محاولتهما الاتصال برئيس الوزراء قبل أن يغلق الأخير هاتفه، كانت تحمل دلالات بالغة، وتشير إلى طبيعة الأجواء التي تحيط بالوسط السياسي العراقي. وتتزامن حادثة حماية العيساوي مع غياب رئيس الجمهورية الذي يخضع لعلاج مكثف في ألمانيا بعد إصابته بجلطة دماغية، ويحل محله إلى حين ظهور نتائج نهائية لحالته الصحية نائبه خضير الخزاعي وهو قيادي مقرب من المالكي، كما أنها تتزامن مع استمرار الاحتقان السياسي والأمني بين بغداد وإقليم كردستان. ويحظى العيساوي بحضور عشائري وديني كبير في محافظة الأنبار التي قطع متظاهرون فيها الطريق الدولي الذي يربط بغداد بدمشق وعمان. وكان العيساوي أكد في تصريح نادر قبل نحو أسبوع في العاصمة الأردنية أن «سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد يكون مسألة أسابيع»، وأن هناك «تسارعاً حقيقياً في ما يتعلق بالاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي بسورية وقلقاً حقيقياً في شأن استخدام أسلحة كيماوية». وهو تصريح عده مصدر سياسي عراقي من أسباب «استهدافه». ويمضي المصدر إلى القول إن «لدى القوى الأمنية والأجهزة القضائية ملفات جاهزة ضد كل القيادات الرئيسية العراقية من مكونات وأحزاب مختلفة، بعضها يتعلق بالإرهاب أو الارتباط بميليشيات والبعض الآخر يتعلق باتهامات الفساد»، وأن هذا الأمر لا يشمل القيادات السنية فقط بل يتعداها إلى مقربين من المالكي نفسه، بالإضافة إلى قيادات رئيسية كردية وشيعية.