أسئلة كثيرة طرحتها زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، السيد خالد مشعل قطاع غزة، إثر انتهاء عملية «عمود السحاب»، والتي أدت إلى نجاح حماس مع فصائل المقاومة، في التصدي للعدوان وإفشال نظام «القبة الحديد»، وهو ما سُجل نصراً إضافياً لها، مكنها وفق زعمها من فرط شروطها على المحتل الإسرائيلي، ولعل أهم تجليات هذا «النصر»، كان في السماح للسيد خالد مشعل بزيارة القطاع، وإلقاء الخطب الحماسية التي تعكس انتصار المقاومة! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كانت المقاومة قد تمكنت من فرض شروطها، على حكومة نتانياهو، فلماذا لم تستطع إدراج اسم رمضان شلح قائد حركة الجهاد الإسلامي إلى جانب خالد مشعل؟ ربما يكون الجواب الحقيقي مرتبطاً بزيارة أمير قطر القطاع في 23/10/2012 والتي أثارت آنذاك لغطاً كبيراً في الأوساط السياسية. إذ بعد مرور أقل من شهر على هذه الزيارة، التي خاطب فيها الأمير القطري الغزاويين، قائلاً لهم: «إن صمود أهل غزة في وجه الحصار الإسرائيلي كان أحد أسباب الربيع العربي»! أتت عملية «عمود السحاب». وبديهي أن الزيارة جاءت برضا من الحكومة الإسرائيلية، وإلا لما كان لها أن تتم، وهو ما كشفته الصحافة الغربية حول التنسيق القطري مع حكومة نتانياهو للزيارة. فيما رأى فيها معظم المحللين، مؤشراً إلى دخول القطريين وخروج الإيرانيين. وعليه يمكن فهم غياب شلح القريب من إيران، وحضور مشعل الإخواني، ومحاولة تقديمه كعرفات جديد للمرحلة المقبلة، وهو ما عكسته عباراته، من أن فلسطين أكبر من أي تنظيم، وكل القوى الفلسطينية عائلة واحدة، وما تبعها من ترحيبه لخطوة أبو مازن، في سعيه لنيل فلسطين مقعد عضو مراقب في الأممالمتحدة، بعد أن كانت الحركة ترفض مثل هذا الإجراء! ضمن هذا المناخ السياسي الذي سبق ورافق ونتج عن عدوان غزة، نحاول إعادة قراءة المشهد، على خلفية ما يجري في سورية والمنطقة، انطلاقاً من هاتين الزيارتين، واللتين جاءتا من الدور الذي تضطلع به الدوحة. حيث تراهن قطر بكل الأوراق التي تملكها لإسقاط الأسد، ولو من خارج مجلس الأمن، كما صرّح سابقاً وزير خارجيتها، ومع استمالة حماس ونقل مكاتبها من دمشق إلى الدوحة، يحاول الشيخ حمد نزع أهم ورقة من غريمه الأسد، ألا وهي ورقة المقاومة الفلسطينية في خطوة لتحجيمه، تأتي كتفريغ لخطابه «العروبي - المقاوم». لأجل كل هذا، أتت عملية «عمود السحاب»، متمثلةً باستهداف قيادات كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس، وعلى رأسهم القيادي الأخطر أحمد الجعبري، بالتزامن مع تحذير القيادة السياسية قبل قصف مقارها! وهنا لا بد أن نشير للاتهام الخطير الذي ساقه الإعلامي غسان بن جدو للجزيرة القطرية، حيث اتهمها بالوقوف وراء عملية اغتيال الجعبري، بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية. وعليه، تأتي العملية في سياق تمكين القيادة السياسية الموالية لدول الربيع الإسلامي، وعلى رأسها قطر ومصر وتركيا، وذلك من خلال إبعاد المنافسين الحقيقيين الموجودين على الأرض، يتبعه إعطاء نصر يزفه خالد مشعل لهذه الدول، عن دورها في وقف العدوان والوقوف إلى جانب المقاومة، وبالتالي يتم إخراج النظام السوري من هذه «الملحمة البطولية». هنا، يتحقق النصر للإسلام السياسي، وذلك بعد استبعاد النظام السوري، الذي قال فيه الأسد إنه آخر «معاقل العلمانية» في المنطقة. لقد نجح الإعلام الداعم للربيع الإسلامي إلى حدٍّ ما في ما أُوكِلَ إليه، بأن أرسل ثلاث رسائل، الأولى تتوجه إلى الجمهور العادي، تعطيه انطباعاً بأن النصر الذي تحقق، جاء كثمرة من ثمرات الربيع، في إشارة إلى زيارة وفد الجامعة القطاع بعد الفتح الآني لمعبر رفح، والذي أتى على خلفية خوف إسرائيل من غضب الرئيس مرسي! الرسالة الثانية، اتصفت بالرمادية كونها أقرب إلى سياسات هذه الدول، وهي موجهة للشريحة المثقفة، التي لم ترَ سوى معركة لم يخرج منها منتصر، على رغم الخطب النارية لكلا الطرفين. الرسالة الثالثة، غير منظورة، حيث لم تستطع كلمات مشعل وارتداؤه علم الثورة السورية من حجبها، وتصب في مصلحة الأسد، وباعتقادي أن الحكومات التركية والإسرائيلية ومعها الفرنسية، قد التقطت هذه الرسالة، وما الحديث عن نشر بطاريات الباتريوت لمواجهة صواريخ السكود، إلا دليل على قلق فعلي، بدأ يرخي بظلاله على حسابات هذه الدول، المتعلقة بالتدخل العسكري. وعليه، نأمل من الإعلام ومن وراءه، وقفة مسؤولة قبل تجييش الناس، والزج بهم في وهم الانتصارات، ولنسأل معه، عن مقاومة محاصرة، وكيف تمكنت من فرض شروطها على دولة مثل إسرائيل ب1500 صاروخ! فكيف ستكون الحال مع الأسد، الذي يملك بأقل تقدير وفق ما نشرته «القدس العربي»، 300000 صاروخ متوسط وبعيد المدى من صنع محلي، ناهيك عما يملك من صواريخ روسية وكورية وإيرانية! ألا يستدعي هذا الكم الهائل من أدوات التدمير، المضي بالحل السياسي؟! ألم تتحدث المصادر التركية عن أن الصواريخ السورية، يمكن أن تزيل ست مدن عن الخريطة إضافة إلى سد أتاتورك، إذا ما تم حشر الأسد في الزاوية؟! فهل تعي حكومة العدالة أن نشر منصات الباتريوت، لن يحميها من صواريخ بهذا الكم؟ هذا إذا افترضنا أن الأسد سيمضي في خياره منفرداً، بعيداً من إيران وروسيا. فهل من وقفة مع العقل تمنع هذا الجنون؟ * كاتب سوري