طغت التداعيات الأمنية والسياسية لاستمرار تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين الى لبنان هرباً من تصاعد القتال بين جيش النظام في سورية وقوى المعارضة، على الجلسة الصباحية لمجلس الوزراء التي عقدت أمس برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وشهدت انقساماً بين الوزراء بدأ على خلفية دعوة وزير الطاقة جبران باسيل الى إقفال جميع الحدود اللبنانية مع سورية لمنع دخول النازحين وردٍّ من الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور اللذين اعتبرا أن مصدر الإرباك في استيعاب النازحين يكمن في غياب خطة واضحة لدى الدولة على رغم أن وزراء «جبهة النضال الوطني» كانوا أول من رأى أن الأزمة في سورية طويلة وتستدعي خطة عمل ولا يمكن أن تواجه تداعياتها بالارتجال والاستنسابية. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن باسيل تصدَّر الدعوة الى إقفال الحدود اللبنانية مع سورية لمنع دخول النازحين وإعادتهم الى الداخل السوري، وأن وزراء حلفاء له تناغموا مع دعوته وإنما على طريقتهم من دون أن يتبنوا وجهة نظره، وهم فادي عبود، علي قانصو، نقولا فتوش، مروان خير الدين وآخرين الذين اعتبروا أن هذه المسألة تجاوزت حدودها الإنسانية وأصبحت سياسية بامتياز، «وهناك من النازحين من يستغلون وجودهم في لبنان ويقومون بنشاطات معادية للنظام وهذا ما يتعارض مع الاتفاقات المعقودة بين البلدين، إضافة الى أن من بينهم من ينتمون الى تنظيمات إرهابية». وعاد باسيل الى القول، وفق المصادر، إن «دولاً أكبر منا وأقدر على تحمل تدفق النازحين بادرت الى إقفال حدودها لأنها ليست قادرة على استيعابهم». وقال أبو فاعور: «نحن في وزارة الشؤون الاجتماعية كنا أول من بادر الى وضع خطة متكاملة لاستيعاب النازحين لحظنا فيها توزيع المهام على الوزارات اللبنانية الأخرى وعقدنا اجتماعات عدة، لا سيما أننا كنا نتوقع أن يزداد عدد النازحين تدريجاً مع تصاعد القتال، وهذا قلناه في أكثر من مناسبة وصارحنا الهيئات المعنية بقضية النازحين من محلية ودولية». ولفت الى أن لبنان «في حاجة الى أكثر من 300 مليون دولار ليكون في وسعنا استيعاب النازحين من سوريين وفلسطينيين وتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية لهم». وقال الوزير عدنان منصور، كما نقلت عنه المصادر: «نواجه مسالة خطيرة جداً هي استيعاب النازحين، خصوصاً أننا كنا نعتقد بأن الأزمة في سورية لن تطول وتنتهي في شهر أو شهرين». وشدد الوزير علي حسن خليل على ضرورة ضبط الحدود وتخصيص أماكن محددة لاستيعاب النازحين «لئلا يؤدي وجودهم العشوائي الى الفوضى في ضوء امكان ارتفاع وتيرة الاحداث». ورأى العريضي أن «المشكلة في الأساس تكمن في أننا لا نتعاطى بعقل دولة في ظل غياب خطة متكاملة لاستيعاب النازحين، وكان يفترض أن نرسم الخطط وأن ندرس كيفية مواجهة كل الاحتمالات الناجمة عن تزايد عددهم خلافاً لما كان يتوقعه البعض، وكنا أول من حذر من عدم التوافق على خطة لأن عددهم الى ارتفاع». وأكد العريضي أن من «غير الجائز أن نقارن الوضع في لبنان بالأوضاع في تركيا والأردن، فهناك دولة ومؤسسات تقوم بوضع الخطط في ضوء الاحتمالات بينما نحن نفتقد الى وجود مثل هذه الخطة، وما نواجهه الآن ما كان ليأخذ هذا الحجم لو أننا تعاطينا كلنا مع هذه المسألة بمنطق الدولة». وأضاف: «لا أحد ينكر الانقسام السياسي الحاصل في الأردن بين النظام والمعارضة التي تنظم التظاهرات لأسباب داخلية لكن في الوقت نفسه نجد أن هناك إجماعاً على التعامل مع قضية النازحين بمنطق الدولة، بينما نعاني هنا من إلحاق هذه المؤسسة أو ذاك الجهاز بحزب أو بزعيم معين بدلاً من أن نتوحد من أجل وضع الخطة التي طالبنا بها منذ اندلاع الأحداث، كما أن هناك من يتبع معايير عدة في تعامله مع النازحين تطغى عليها الاستنسابية ونأخذ منها ما يناسبنا ونعارض ما لا يناسبنا». وشدد العريضي وفق المصادر ذاتها، على ضرورة التعامل مع جميع النازحين بمعيار واحد، و «ألا نبني مواقفنا انطلاقاً من أن بعضهم مؤيد للنظام والآخر معادٍ له، والجميع في لبنان من معارضة وموالاة أخطأوا في حساباتهم؛ فريق اعتبر أن الأزمة ستنتهي في سورية في شهر أو شهرين لمصلحة النظام، وآخر تعامل معها على أنها ستؤدي الى إسقاطه خلال أشهر عدة، فمسألة النازحين «لا تعالج برد فعل أو بمواقف يومية، بل علينا أن نفكر في كيفية توفير الحماية لبلدنا لأننا أمام أزمة طويلة». وتوقف العريضي أمام «دعوة البعض» الى إقفال الحدود أو ضبطها، وقال لأصحاب الدعوة: «أنتم تتبنون وجهة نظر المعارضة التي كانت أول من دعت وقبل بدء الأحداث في سورية الى ضبط الحدود وترسيمها ووقف كل أشكال التهريب والإسراع في نشر الجيش اللبناني على طولها». وسأل هؤلاء: «لماذا تبدلت مواقفكم وكنتم في السابق ضد ما تطالب به المعارضة، علماً أن أكثر من جلسة للحكومة ولمجلس الدفاع الأعلى لم تتوصل الى ضبطها بالكامل، لا سيما في المناطق المتداخلة». وأضاف: «إنكم تفتحون الباب عليكم، تفضلوا وواجهوا المعارضة وإلا من غير الجائز أن نرمي الكلام جزافاً». وأكد ميقاتي بدوره أن «أحداً لا يستطيع ضبط الحدود بالكامل ونحن نحاول استيعاب النازحين بالتعاون مع الهيئات الدولية والدول المانحة في مجال توفير الدعم المالي لوكالة غوث اللاجئين». وقبل أن ينتقل مجلس الوزراء الى مناقشة البنود المدرجة على جدول أعماله، فوجئ عدد من الوزراء بسؤال الوزيرين حسين الحاج حسن وقانصو عن خلفية الإفراج عن المتهم بالتعامل مع إسرائيل الموظف في شركة «ألفا» شربل قزي، لأن هذا «يعني تشريع العمالة لإسرائيل وهذا أمر مرفوض». وتقدم أبو فاعور بجردة حول ملف التعامل منذ تحرير الجنوب عام 2000 حتى اليوم وما رافقها من توقيف شبكات متهمة بالتعامل مع إسرائيل، وقال: «هناك أحزاب وجهات سياسية توسطت للعملاء وتدخلت لدى القضاء اللبناني للإفراج عنهم أو لخفض العقوبة التي أنزلت بهم». أما العريضي، فاعتبر أن «مثل هذا التصرف شجع البعض على العمالة، لا سيما أن بعض الأحكام التي صدرت في حق عدد من المتعاملين جاءت استنسابية لمراعاة بعض القوى السياسية». وقال: «عندما تخفف عن أحدهم الأحكام استجابة لمداخلات من قوى سياسية تسارع الأخيرة الى الإشادة بنزاهة القضاء وهذا ما حصل عندما أفرج عن العميد المتقاعد فايز كرم». وأضاف: «أما عندما يفرج عن متعامل آخر يسارع البعض الى التشكيك بحكم القضاء وهذا ما حصل مع قزي ومن قبله زياد الحمصي رغم أننا نطالب بتوحيد المعايير في إصدار الأحكام». وسأل: «أين الدولة في تعاطيها بمعيار واحد مع جميع المتعاملين بدلاً من أن يفكر هذا أو ذاك في كيفية توفير الحماية للمتعاملين، وبالتالي لا غرابة أن تكون الأحكام عرضة للنقاش أو التشكيك». وأضاف العريضي: «نحن وزراء في الحكومة لم نعرف شيئاً عن ملف قزي سوى ما قرأنا بعد يومين من توقيفه في إحدى الصحف». واكتفى وزير العدل شكيب قرطباوي بالقول إن رئيسة محكمة التمييز العسكرية القاضية أليس شبطيني التزمت لدى الإفراج عنه بأحكام القانون. وعاد العريضي الى الحديث عن سياسة المعيارين في بعض المحطات الفلسطينية، وسأل: «لماذا نسكت ولا نرد على ما يصدر عن أحمد جبريل (الأمين العام ل «الجبهة الشعبية - القيادة العامة»)؟ لأن كلامه يناسبنا، ونحمل على النازحين الفلسطينيين من مخيم اليرموك في سورية لأنهم لا يؤيدونه، والانتقائية لا تبني وطناً». المقررات وكان ميقاتي استهل الجلسة بالقول وفق ما قال وزير الإعلام وليد الداعوق، أن «الساحة اللبنانية تستمر تحت تأثير الأحداث الجارية في سورية، وما يستتبع ذلك من انقسام سياسي داخلي، ولذلك نحن مستمرون في انتهاج الموقف الذي اتخذناه منذ بدء هذه الأحداث، لأنه الموقف السليم الذي يُبقي لبنان بعيداً من تداعيات ما يحصل». وتوقف عند «تدفق أعداد كبيرة من النازحين السوريين الى لبنان ولا تزال حكومتنا تقوم بواجباتها في إغاثتهم بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية المعنية. لكن ارتفاع عدد النازحين، ومن بينهم أعداد كبيرة من الإخوة الفلسطينيين، يستدعي مقاربة جديدة ومتقدمه لهذا الملف، تأخذ في الاعتبار احتمال طول مدة إقامتهم في لبنان». وقال: «لا يزال بعضهم في المعارضة مصراً على النيل من الحكومة وإقفال كل أبواب الحوار بسلبية مطلقة ومقاطعة المجلس النيابي، مراهناً على متغيرات يعتقد أنها ستصب لمصلحته، فيما الواقع أن هذه المقاطعة لا تضر إلا مصالح المواطنين وتنعكس سلباً على صورة لبنان. وما هو مؤسف ومستهجن أن يتمادى بعضهم في التحامل على الحكومة، بادعاءات باطلة وزائفة، وكأنه قدم إلى لبنان بالأمس، ولم يتسلم السلطة على مدى سنوات، ويتحمل مسؤولية مباشرة عن الكثير من الملفات والتراكمات والتجاوزات التي تجهد الحكومة لمعالجتها. وبدل أن يقدر هذا ما تفعله الحكومة لمصلحة جميع اللبنانيين، نراه يتمادى في حملاته، بفجور سياسي كبير، سنواجهه ليس بالتساجل على المنابر بل بالوقائع الدامغة والأفعال المنتجة، ومهما علا صراخ بعضهم، فهذا لا يسقط حقيقة أن حكومتنا استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات، كما أثبتت صدقيتها في التعاطي مع كل الملفات الدقيقة داخل لبنان وخارجه، وكانت أمينة للالتزامات التي أوردتها في بيانها الوزاري». ودعا ميقاتي الجميع إلى «العودة إلى لغة الحوار إذ وحده يقرب المسافات ويسقط الحواجز». وتوقف مجلس الوزراء، وفق الداعوق، «عند ازدياد تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين إلى لبنان، والاتفاق على عقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء لبحث هذا الأمر ووضع الضوابط». وقال الداعوق رداً على سؤال إذا كان سيتم إقفال بعض المعابر لوقف تدفق النازحين من سورية، أجاب: «هذا الأمر من الأفكار التي طرحت، لكن على مجلس الوزراء أن يتداول فيها».