أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «الحكومة اللبنانية لن توفر أي جهد من أجل كشف مصير اللبنانيين في سورية». وشدد في جلسة مجلس الوزراء في السراي الكبيرة أمس على الاستمرار في قرار النأي بالنفس لحماية لبنان واللبنانيين من تداعيات الصراع في سورية، مناشداً الجميع «تعزيز مناخ الهدوء في البلد ووقف التأجيج السياسي والإعلامي بما يساعد في تنشيط الحركة الاقتصادية وتعويض ما فاتنا من فرص». واحتلت حملة قوى 8 آذار على النائب عقاب صقر على خلفية تدخله ميدانياً في الأحداث في سورية، حيزاً رئيساً من النقاش الذي دار في الجلسة، وشارك فيه الوزراء علي قانصو، علي حسن خليل، محمد فنيش، جبران باسيل، سليم جريصاتي وحسين الحاج حسن. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن الوزراء الستة أدلوا بمداخلات تناغموا فيها بشن هجوم على صقر في ضوء فحوى الاتصالات التي أجراها وتم نشرها في لبنان والتي تثبت ضلوعه ميدانياً الى جانب المعارضة ضد النظام في سورية. وأجمع هؤلاء الوزراء على المطالبة بإجراءات مشددة ضد صقر من دون أن يطالب أحد منهم برفع الحصانة النيابية عنه لمحاكمته، وشددوا على أن لا شيء يمنع اتخاذ أقصى الإجراءات ضده حتى ولو كان نائباً، وسألوا: «أين الدولة اللبنانية من تدخله الميداني في الشأن السوري؟». ورأى الوزراء أنفسهم أن هناك اتفاقيات ثنائية بين البلدين في ميادين عدة، «وما يقوم به صقر لا يخدم العلاقات بل يهددها». وسأل الوزراء: «أين مصلحة لبنان في هذا التدخل؟ ومن يخدم؟ خصوصاً أن ما يقوم به ينقض الاتفاقيات الثنائية المنبثقة عن معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين». ولاحظت المصادر الوزارية أن الرئيس ميقاتي لم يدخل طرفاً في السجال وحصر مداخلته بحادثة تلكلخ التي أودت بحياة عدد من الشبان اللبنانيين في داخل الأراضي السورية. ونوّه الوزراء الستة بطلب المدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي أشرطة التسجيل الواردة للمكالمات الهاتفية التي فيها صوت النائب صقر يتحدث الى ناشطين سوريين عن أسلحة وذخائر، واعتبروه جيداً «ويجب أن يستكمل حتى النهاية». لكن اللافت ما ورد على لسان وزير الأشغال غازي العريضي حول ما آلت إليه العلاقات اللبنانية - السورية. ونقلت المصادر عن العريضي قوله إن «ما يحصل من تدخل ميداني من هذا الطرف أو ذاك هو نتيجة عدم وجود موقف موحد لدى الحكومة اللبنانية، والسجال الذي يدور حالياً لن يتوقف، وهناك من يستنسب من الأحداث في سورية ويغض النظر عن أمور تهمه، ويشن حملة حول القضايا التي لا تنسجم ومصالحه». وقال العريضي: «نحن في مجلس الوزراء وخارجه على خلاف مع كثير من الأطراف في الموقف من الأحداث الجارية، وكنا أعلنا تأييدنا للمعارضة، لكننا حرصنا منذ اللحظة الأولى على عدم التدخل ميدانياً». ولفت العريضي الى أن التدخل الميداني ليس محصوراً بطرف دون الآخر «وهناك من يستحضر العلاقات اللبنانية - السورية وكنا أول من دعا الى ضبط الحدود بين البلدين. لكن لم تستحضر هذه العلاقات عندما أوقف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقله متفجرات من سورية الى لبنان لتفجيرها في منطقة الشمال». وسأل العريضي: «لماذا لم تستحضر العلاقات السورية - اللبنانية عندما سقط مصور محطة «الجديد» علي شعبان شهيداً برصاص استهدفه من موقع لجيش النظام في سورية؟ فأين لجنة التحقيق التي شكلت وهل توصلت الى نتائج، إذ ان أحداً لم يطلعنا على شيء؟». كما سأل عن مصير المذكرة التي أعدتها الحكومة اللبنانية بطلب من رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتتعلق باستمرار الخروق السورية لبلدات حدودية في الشمال والبقاع، والتي نجم عنها سقوط شهداء وجرحى وتدمير المنازل، «ولم نعرف حتى الآن ما إذا كان لبنان تلقى رداً سورياً، خصوصاً أنه سبق لرئيسي الجمهورية والحكومة أن دانا هذه الخروق بما فيها دخول قوات من الجيش السوري الى داخل الأراضي اللبنانية». وقالت المصادر إن العريضي سأل أيضاً عن مصير التحقيق في الأسلحة التي ضبطت في باخرة لطف الله-2 وهي في طريقها للرسو في مرفأ طرابلس. ونقلت عن العريضي قوله إن الاتهامات توالت ضد فريق سياسي معين وتبين حتى الآن أنها سياسية، «وإلا أين أصبح التحقيق في هذه الباخرة ولماذا لم يعلن حتى الساعة أي شيء عنه مع أن «الاعترافات» في هذا الموضوع نشرت في وسائل الإعلام بعد فترة قصيرة من توقيف الباخرة والتحقيق الأمني لم يكن قد بدأ بعد؟». وسأل العريضي كذلك: «هل يعقل أننا في بلد تفتح فيه الملفات وتوزع من خلالها الاتهامات ومع ذلك لا نصل الى شيء على رغم أن القضاء يقوم بالتحقيق فيها؟». وكرر انتقاده ل «التنافس القائم بين الأجهزة الأمنية في ظل غياب أي رؤية للدولة بما فيها موقفها من النازحين السوريين». وقال وزير الإعلام وليد الداعوق الذي تلا مقررات الجلسة، إن «ميقاتي هنأ الشعب الفلسطيني على قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو في المنظمة الدولية، مشيراً إلى أن «هذا القرار يجب أن يكون حافزاً لبذل المزيد من الجهد لتحقيق طموحات الفلسطينيين وعودتهم إلى ديارهم». وأضاف ميقاتي: «شهدت نهاية الأسبوع الفائت حادثة مؤسفة تمثلت في مقتل وفقدان عدد من المواطنين اللبنانيين في سورية في ظروف لا تزال حتى الآن غامضة. إن الحكومة اللبنانية لن توفر أي جهد من أجل كشف مصير هؤلاء. وقال إنه طلب تدخل الصليب الأحمر الدولي لدى السلطات المعنية في سورية لاسترجاع جثث من قتلوا والاستحصال على معلومات عن مصير الآخرين. كما اتصل وزير الخارجية عدنان منصور بالسفير السوري (علي عبدالكريم علي) طالباً إعادة جثث هؤلاء اللبنانيين». وتابع: «إننا نجدد دعوتنا جميع اللبنانيين إلى إبعاد وطننا وأنفسنا عن التدخل في الأحداث في سورية حتى لا ندفع أثمان صراع لا قدرة لنا عليه. ونؤكد أن الحكومة مستمرة في قرارها النأي بالنفس لحماية لبنان واللبنانيين من تداعيات الصراع في سورية». ودعا ميقاتي «أهلنا في طرابلس إلى الهدوء وعدم الانجرار وراء المحاولات الهادفة إلى تأجيج الصراع في المدينة والتنبه للشائعات ومحاولات تأجيج مشاعر الغضب والحزن لإدخال طرابلس في دائرة العنف مجدداً». وأشار إلى أن «الجيش اللبناني والقوى الأمنية اتخذت الإجراءات المناسبة لضبط الأمن ومنع أية محاولات لزرع الفتن بين أبناء طرابلس». وتطرق ميقاتي إلى الموضوع الاقتصادي فدعا الوزراء، كلاً في ما خصه، إلى إجراء حوار مع الهيئات الاقتصادية للتحضير لورقة عمل شاملة. أسئلة وأجوبة وحول قضية التسجيلات الصوتية للنائب عقاب صقر واعترافه بما ورد فيها، أجاب الداعوق: «بعض الوزراء تحدث عن الموضوع، وتم التداول من دون اتخاذ أي إجراء، وكانت الآراء مختلفة، وكان هناك تشديد على ما قام به المدعي العام وإجراء المزيد من التحقيقات». وبالنسبة إلى قول وزير الاتصالات إنه تعرض للتهديد من أجهزة أمنية بسبب موضوع «داتا الاتصالات» أجاب: «عرض الوزير المختص الموضوع على مجلس الوزراء وسيتم التحقيق بما أدلى به».