الحرب في سورية وصلت إلى قلب العاصمة دمشق. لم تعد المواجهة بين المعارضة والنظام تقتصر على عمليات موضعية ودهم واعتقال وزرع عبوات. لقد باتت جبهة قتال فعلي دفع النظام فيها سلاح الجو بعد المدفعية الثقيلة. كان مثل هذا التطور حصل في المدن الكبرى الأخرى، خصوصاً في حلب وحمص ودرعا ودير الزور وغيرها الكثير من البلدات والقرى. لكن أن تبدأ قذائف المورتر بالسقوط في محيط القصر الرئاسي حيث من المفترض أن يكون الرئيس بشار الأسد يقود المعركة، يعني أن سورية تدخل في المربع الأخير قبل سقوط النظام. وإن كان بعض من قادة هذا النظام يشيعون أجواء انتصارهم القريب، ويردد صدى هذه الإشاعة حلفاؤهم، خصوصاً في إيران، وأنصارهم في جبهة الممانعة. ترداد مثل هذه الإشاعة لا يعني أن قادة النظام السوري لا يعرفون ما يجري على الأرض، ولا يدركون معنى الحركة الديبلوماسية المتزايدة، أو لا يستخلصون دروس بدء المفاوضات الأميركية - الروسية. إنهم يعرفون كل ذلك. على المستوى السياسي السوري، تمكنت جماعات المعارضة من الوصول إلى صيغة ائتلافية باتت تتمتع بصدقية ورصيد لم يتحققا سابقاً لأي طرف سوري معارض. وشكل مؤتمر مراكش علامة بارزة لجهة الاعتراف الدولي، وقبله العربي، بالائتلاف كممثل للشعب السوري، مع ما يعنيه ذلك من تحوله إلى طرف يمكنه أن يفاوض باسم هذا الشعب. على المستوى العسكري وعلى رغم الجدل الذي أثير حول وجود جماعات وصفت بالمتطرفة والإرهابية، تمكن «الجيش الحر» من إيجاد صيغة توحيدية لكتائبه، وبات المعبر الأكثر صدقية عن قيادة العمليات الحربية ضد النظام، وبات ينظر إليه أيضاً كالطرف الذي ستوكل إليه مهمة الحفاظ على السلم الأهلي، بعد انهيار النظام. هكذا تأتي التطورات الميدانية الجديدة التي تجلي نفوذ النظام أكثر فأكثر عن مساحات متزايدة من البلاد، وصولاً إلى العاصمة ومطارها، لتدعم وضعاً جديداً للمعارضة يوفر لها الصفة الشرعية كبديل جاهز من النظام. وفي الغضون، تنشط الحركة السياسية بين الأطراف الدوليين والإقليميين، لكنها هذه المرة تستند إلى ما أنجزته المعارضة في السياسة وعلى الأرض. أي إلى وقائع جديدة تفرض نفسها حتى على روسيا وديبلوماسيتها التي بدأت تتحدث بصيغة جديدة، وإن ملتبسة، عن طبيعة الأزمة وكيفية حلها. كما فرضت هذه الوقائع نفسها على الحليف الإيراني وأنصاره، بما جعله يكثر من الحديث عن مبادرات وحتى عن مرحلة انتقالية. ليست هذه المعطيات بعيدة عن حسابات النظام السوري، ومطبخ القرار فيه. وفي هذا الإطار يمكن وضع الحديث الذي أدلى به نائب الرئيس فاروق الشرع لصحيفة «الأخبار» اللبنانية ورد وزير الخارجية وليد المعلم على استنكارات الغارات الجوية النظامية على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق. فظروف الحديث الصحافي للشرع وتوقيته والمكان الذي نشر فيه، كل ذلك يشير إلى أنه ينطوي على سعي لملاقاة بعض أفكار المبادرات التي يروج لها حلفاء النظام. سواء مباشرة مثل الحال مع المبادرة الإيرانية الأخيرة أو مداورة مثل الحجج التي يقدمها الروس في مفاوضاتهم. والأفكار التي عبر عنها الشرع يمكن أن تجد صدى ما لها لو أنها كانت مبادرة واضحة من النظام قبل التطورات السياسية والميدانية الداخلية المشار إليها سابقاً. أما اليوم فلا تشكل، استناداً إلى دور قائلها وفعاليته في صنع القرار، أكثر من بالون اختبار أراد به النظام توفير وسائل لحلفائه للمفاوضة باسمه، في إطار سياسته تقطيع الوقت ريثما يحقق وهم الحسم العسكري. هذا الوهم الذي كرره المعلم في تبرير استهداف اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك بالغارات الجوية. إذ ربط رأس الديبلوماسية السورية قصف المخيم بعدم انخراط الفلسطينيين في المعركة إلى جانب النظام ضد «الإرهابيين» في المخيم. أي أن كل من لا ينخرط في المعركة إلى جانب النظام يمكنه أن يتوقع الغارات الجوية، سواء في مخيم للاجئين أو في أي مكان آخر. لكن المعلم الذي حاول أيضاً أن يلقي على العالم مسؤولية هذا القصف الجوي، لأنه لم يعد اللاجئين إلى ديارهم فبقوا في اليرموك حيث أصبحوا هدفاً مشروعاً للغارات. في أي حال، تمكن «الجيش الحر» من طرد النظام من المخيم على رغم الغارات الجوية. ما يعني أن الانتصار عبر الغارات من الأوهام التي لا يزال النظام يتمسك بها.