هاجس الراقصين والراقصات وشاغلهم الدائم يتمثلان في الخوف من الإصابة في مهنة قصيرة الأمد ينوء فيها الجسد تحت وطأة التمارين القاسية وراء الكواليس والعروض. والضمادات و «الدواء الأحمر» والمسكنات والضحك، هي ضرورات الحياة اليومية للراقص على قول بريجيت لوفيفر. فالراقصون يخفون بحياء نقاط ضعفهم الجسدية. وفي عيد الميلاد هذا العام، تُعرض في دار أوبرا باستيل وباليه غارنييه بباريس، حفلات باليه، منها عرضا دون كيخوت لرودولف نورييف وأمسية وليام فورسيت لتريشا براون. عرض دون كيخوت يقتضي براعة فنية معقدة وخطوات بالغة الانسياب، ويشبِّه الراقصون أداء العرض هذا بتسلق جبل إفريست الشاهق والعسير. وإضافة الى الخوف من الإصابة في التمارين والعروض، يخشى الراقصون الحوادث العابرة في طريق الذهاب والإياب بين المسرحين، سواء استقلوا المترو أو الدراجة النارية أو السكوتر (دراجة الرِّجل). وحين ينتهي العرضان، لا يخلد الراقصون إلى الراحة، فسلسلة عروض جديدة تبدأ في جولة أسترالية بين 29 كانون الثاني (يناير) و10 شباط (فبراير) 2013. وعاد هيرفيه مورو إلى الرقص بعد انقطاع دام عامين جراء إصابة في الركبة، وهو نجم العرضين: «أدق على الخشب درءاً للحسد ولتفادي الإصابة، فقبل 3 أعوام أصبت مرتين على التوالي في ظهري، وخشيتُ أن أضطر إلى ترك الرقص» يقول مورو. والقلق من الإصابة يتعاظم مع التقدم في السن، وهو يستوطن قلوب المؤدين في عروض الرقص الكلاسيكي والمعاصر. «جسد الراقص يستنفد طاقته القصوى طوال الوقت. وعلاقة الراقص به (الجسم) يشوبها القلق، فهو «أداة» مهنته، وقد يبلغ القلق مبلغ الاضطراب العصبي»، يقول الأخصائي في معالجة رضوض العضلات والعظم في أوبرا باريس منذ 1984. يرى أن خطر «الدعسات الناقصة» (التواء الكاحل) حتمي حين يؤدي الراقصون آلاف الخطوات. كل منهم لا يكل عن الحركة، فهو يدور في حلقة مفرغة: التمارين وأداء الرقصة مراراً وراء الكواليس لإتقانها، وأداء أنواع الرقص. ويفاقم التوتر هاجس الحرص على تفادي الإصابة: «طوال عشر سنين رافقني انقباض المعدة كل صباح من شدة الخوف من الإصابة، ووجع الظهر مزمن لا يهدأ، ولم أستطع حمل ابنتي الصغيرة طوال 3 أعوام إثر تضرر ظهري أثناء الرقص»، يقول الراقص بنجامين هوال (40 سنة). وأكثر ما يخشاه الراقصون هو الاضطرار إلى مغادرة حلبة الرقص قبل أن يحين سن الانسحاب من هذه المهنة القصيرة الأمد، التي يراوح متوسط سن «تقاعد» أصحابها بين 35 و40 سنة. والتنافس كبير بينهم وظروف العمل صعبة ولا تؤمّن العيش الكريم، ويقتصر عدد الراقصين «المثبتين» في ملاك المسارح على 500 وذلك من 5 آلاف راقص هم مياومون يعملون بعقود قصيرة. وقبل عشرات الأعوام، افتُتح مركز طبي في باريس لمتابعة أحوالهم الصحية واستباق تفاقم إصابتهم وتسببها في ضرر دائم. فالراقصون يميلون إلى إهمال علاج الإصابات التي يحسبونها طفيفة، لكن الفحص الطبي يُظهر أنها مؤشر إلى مشكلة أكبر. والضعف يصيب الرجلين والكاحلين والغضروف والركبتين والظهر. وبعض خطوات الرقص قاسية ومنهكة، وثمة وضعيات فنية عنيفة. ولاحظ فيليب بريجا، وهو اخصائي في معالجة العضل والعظم، يتابع تمارين الراقصين في مسرح بيت الفن في كريتل، أن إنهاكهم يبلغ ذروة خطيرة قبيل تقديم العرض أمام الجمهور. والوجع رفيق دائم للراقصين، وبعضهم يرى أن الألم يشعرهم بأنهم على قيد الحياة. فالرقص وثيق الصلة بالألم، لذا يقال إن الراقصين يميلون إلى المازوشية، ومن وجوهها التمتع بإنزال الأذى بالنفس. غالباً ما تقام أوجه الشبه بين الراقصين واللاعبين الرياضيين المحترفين. ويرى فيليب لوفان، الطبيب في المعهد الوطني الفرنسي للرياضة، أن رضّات الراقص ولاعب كرة القدم هي وجهان لعملة واحدة، لكن صلة الراقص بجسمه أشد تعقيداً مما هي لدى الرياضي. فلاعب كرة القدم يتدرب مع فريقه في إطار مواعيد ثابتة ومنظمة، والمواسم الرياضية تبدأ في الربيع والصيف، بالتالي يتمتع الرياضي بوقت للراحة واستعادة النشاط. ولا ريب في أن معاناة الراقصين المستقلين غير المنضوين في فرقة كبيرة تفوق معاناة غيرهم، وهي جسدية واقتصادية، فالمستقلون يضطرون إلى دفع كلفة العلاج والتدليك وجلسات التمارين المخففة للآلام. وعلى خلاف ما يستنتج كثر، رابطة الراقص بجسمه ضعيفة، على قول ناتالي شولمان، وهو يميل إلى الحذر إزاء الطب التقليدي ويخشى التشخيص الطبي، ويستسيغ التوليف بين أنواع من العلاجات البديلة. وسعيه وراءها لا ينقطع، ويقدم الراقصون على تجريب «كل شيء» من تعلم الفنون القتالية وممارسة اليوغا في غرفة حرارتها 40 درجة مئوية تساهم في تليين الكتلة العضلية، إلى الجلوس في مغاطس مليئة بمكعبات ثلج. * صحافية، عن «لوموند» الفرنسية، 1/12/2012، إعداد منال نحاس